طبول الحرب على حدود البلطيق.. الناتو وروسيا في أخطر مواجهة منذ عقود

طبول الحرب على حدود البلطيق.. الناتو وروسيا في أخطر مواجهة منذ عقود

طبول الحرب على حدود البلطيق.. الناتو وروسيا في أخطر مواجهة منذ عقود
الناتو

تعيش أوروبا الشرقية واحدة من أكثر لحظاتها توترًا منذ نهاية الحرب الباردة، مع تصاعد الاشتباك غير المباشر بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، الاختراقات الجوية المزعومة، المناورات العسكرية المتقابلة، والطلعات الجوية الدفاعية المشتركة، كلها عوامل تنسج مشهدًا متأزمًا يذكّر بسنوات الردع النووي في ثمانينيات القرن الماضي، ومع أن كلا الطرفين يؤكد التزامه بالحوار وتجنب التصعيد، فإن أي حادث عرضي قد يتحول إلى شرارة تشعل مواجهة غير محسوبة العواقب، في قلب هذه الأزمة تقف دول البلطيق وبولندا كخط تماس بين موسكو وبروكسل، حيث باتت أجواؤها ومياهها مسرحًا لتحذيرات متبادلة واستعراضات قوة، ما يثير المخاوف من أن تتحول لعبة الرسائل العسكرية إلى مواجهة شاملة قد تعيد رسم خريطة الأمن الأوروبي.

الناتو يتأهب


مع الإعلان الرسمي لحلف الناتو عن إطلاق عملية "الحارس الشرقي"، دخلت الأزمة بين موسكو والحلف منعطفًا جديدًا يعكس جدية التهديدات على الجناح الشرقي لأوروبا.

العملية، التي يقودها الأمين العام مارك روته، تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية عبر تدريبات مشتركة ومراقبة جوية مكثفة، في رسالة واضحة لروسيا مفادها أن أي اختراق جديد سيُقابل بجهوزية قصوى.

البرلمان البولندي رحّب بهذه الخطوة باعتبارها تفعيلًا عمليًا للمادة الرابعة من ميثاق الناتو، مؤكدًا أن الحلف لن يتردد في حماية أعضائه من أي عدوان محتمل.

إستونيا كانت أول من أطلق جرس الإنذار بعد اتهامها موسكو بإرسال ثلاث مقاتلات من طراز "ميغ 31" لاختراق أجوائها فوق خليج فنلندا لمدة 12 دقيقة.

هذه الحادثة، رغم نفي الكرملين نية التصعيد، دفعت دول البلطيق إلى تعزيز التنسيق مع حلفائها الأوروبيين وزيادة مراقبة أجوائها عبر طائرات إيطالية وسويدية وفنلندية.

بريطانيا دخلت على خط الأزمة بإرسال مقاتلات "تايفون" لتنفيذ طلعات فوق بولندا، في ما اعتُبر رسالة تضامن وردع في آن واحد.

الإدارة الأميركية بدت أكثر حذرًا في رد فعلها، حيث اعتبر البيت الأبيض أن بعض الانتهاكات الجوية قد تكون غير مقصودة، داعيًا إلى عدم تضخيم الحوادث بشكل قد يقود إلى مواجهة مفتوحة.

في المقابل، حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن أي اعتداء مباشر على بولندا أو دول البلطيق سيُقابل برد قوي من الحلف، في تذكير صريح بالتزام واشنطن بالمادة الخامسة من الميثاق الأطلسي.

روسيا ترد


الكرملين، من جانبه، اتهم الغرب بمحاولة تضخيم الأحداث واستخدامها كذريعة لتبرير عسكرة المنطقة الشرقية لأوروبا، حيث استبقت روسيا اجتماعًا مقررًا على مستوى السفراء لدول حلف شمال الأطلسي "ناتو"، بتفنيد مسألة اختراق المجال الجوي لدول الحلف.

ونفت روسيا الإثنين الاتهامات الموجهة إليها بانتهاك طائرات تابعة لها المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي، وحذّرت من أن الدول التي توجه اتهامات مماثلة تخاطر "بتصعيد التوترات".

وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين -عندما سئل عن اتهام إستونيا لروسيا بانتهاك مجالها الجوي-: نعتبر هذه التصريحات فارغة ولا أساس لها، وهي استمرار لسياسة هذا البلد، المتمثلة في تصعيد التوترات وإثارة أجواء المواجهة.

من جانبها، تستعد عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل، الثلاثاء، لاستضافة اجتماع عاجل يضم سفراء الدول الـ32 الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، بناءً على طلب إستونيا، عقب ما وصفته تالين بانتهاك خطير لمجالها الجوي من قبل ثلاث مقاتلات روسية من طراز "ميغ-31" حلّقت فوق خليج فنلندا لمدة 12 دقيقة.

الاجتماع يُعقد بموجب المادة الرابعة من ميثاق الناتو، التي تُلزم الحلفاء بإجراء مشاورات عاجلة عند تعرض أي عضو لتهديد مباشر.

الخطوة الإستونية لاقت دعمًا واسعًا داخل الحلف والاتحاد الأوروبي، اللذين اعتبرا الحادث "استفزازًا جديدًا" من موسكو في واحدة من أكثر المناطق حساسية أمنيًا على الحدود الشرقية لأوروبا، وفي موازاة ذلك، دعا مجلس الأمن الدولي إلى جلسة طارئة يوم الاثنين لمناقشة ما وصفه بـ"الانتهاك الروسي الصارخ للسيادة الإستونية".

يأتي هذا التصعيد بعد أسابيع من إعلان وارسو تسجيل عدة اختراقات لطائرات مسيّرة روسية لمجالها الجوي، في إطار العمليات العسكرية الجارية ضد أوكرانيا، ما زاد المخاوف من أن تتحول الخروقات المتكررة إلى مواجهة مفتوحة بين موسكو والحلف.

حافة المواجهة


من جهته، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية وخبير الشؤون الاستراتيجية: إن دعوة إستونيا لعقد اجتماع عاجل لمجلس سفراء الناتو بموجب المادة الرابعة تمثل مؤشرًا على تحول نوعي في مسار الأزمة بين روسيا والحلف.

وأوضح في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن اللجوء إلى هذه المادة ليس أمرًا روتينيًا، بل يعكس شعورًا متزايدًا لدى دول البلطيق بأن أمنها بات مهددًا بشكل مباشر، ما يستدعي رفع مستوى التنسيق الدفاعي والسياسي داخل الحلف.

وأضاف فهمي: أن الاجتماع يتجاوز البعد العسكري ليحمل رسائل سياسية لموسكو، مفادها أن أي خروقات مستقبلية لن تمر دون رد منسق، وأن الحلف مستعد لتصعيد إجراءاته الدفاعية على الجناح الشرقي.

ولفت إلى أن انعقاد مجلس الأمن الدولي في جلسة طارئة يمنح القضية بعدًا دوليًا، ويزيد الضغوط على روسيا في الساحة الدبلوماسية، لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن تضييق هامش المناورة بين موسكو والناتو قد يزيد من احتمالات سوء التقدير، الأمر الذي قد يدفع المنطقة إلى حافة مواجهة أوسع.