صدى الرصاص في الأحياء القديمة.. هل تصمد تهدئة حلب؟
صدى الرصاص في الأحياء القديمة.. هل تصمد تهدئة حلب؟
عادت مدينة حلب، التي لم تبرأ بعد من ندوب سنوات الحرب، إلى واجهة المشهد السوري مع جولة جديدة من التوترات الأمنية التي أعادت القلق إلى شوارعها وأحيائها المكتظ، ففي ساعات الليل، وبينما كانت مساعي التهدئة تُنسج عبر قنوات الاتصال، اندلعت اشتباكات عنيفة في محيط أحياء حساسة، لترسم صورة مركبة لواقع أمني هشّ يتأرجح بين محاولات الاحتواء ومخاطر الانفلات، هذه التطورات لا تنفصل عن سياق سياسي أوسع، يرتبط باتفاقات قائمة ومهل زمنية تقترب من نهايتها، وسط تبادل اتهامات حاد بين أطراف الصراع حول المسؤولية عن التصعيد واستهداف المدنيين، ومع ارتفاع أعداد الضحايا والجرحى، تتجه الأنظار إلى قدرة القوى المحلية على فرض الاستقرار، وإلى الدور الإقليمي والدولي في الدفع نحو خفض التوتر، حمايةً للمدنيين، وصونًا لوحدة سوريا في مرحلة بالغة الحساسية.
هدوء قابل للانفجار
شهدت أحياء عدة في مدينة حلب شمالي سوريا حالة من الهدوء الحذر، بعد ليلة اتسمت باشتباكات مسلحة عنيفة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، وأعادت إلى الأذهان سيناريوهات أمنية كانت المدينة تأمل تجاوزها.
هذا الهدوء جاء نتيجة اتصالات مكثفة ومساعٍ لاحتواء الموقف بين الأطراف المتواجهة، في وقت ما تزال فيه الأوضاع قابلة للانفجار مع أي تطور ميداني مفاجئ.
وبحسب مصادر حقوقية، فإن المواجهات التي اندلعت في محيط حيّي الشيخ مقصود والأشرفية أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين والعسكريين على حد سواء، لترتفع الحصيلة الإجمالية إلى نحو 25 شخصًا بين قتيل وجريح.
وتشير المعطيات إلى أن من بين القتلى نساء وأفرادًا من عائلات مدنية، ما زاد من حدة الغضب الشعبي والقلق الإنساني، خاصة في ظل استخدام أسلحة ثقيلة داخل مناطق مأهولة بالسكان.
في المقابل، أكدت الجهات الأمنية التابعة للحكومة السورية، أن قوات الأمن الداخلي سارعت إلى تنفيذ انتشار مكثف في المناطق المتوترة، مع إعطاء أولوية لإجلاء المدنيين وتأمين سلامتهم.
وأوضح قائد الأمن الداخلي في محافظة حلب، أن هذه الإجراءات تأتي في إطار “مسؤولية وطنية” تهدف إلى حماية الأرواح والممتلكات، مشددًا على أن أي محاولة لزعزعة أمن المدينة ستُواجَه بإجراءات صارمة وفق القوانين النافذة.
كما دعا السكان إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية لتثبيت الاستقرار ومنع انزلاق الأوضاع نحو مواجهات أوسع.
قلق مصري
التصعيد الميداني لم يقتصر صداه على الداخل السوري، إذ سارعت مصر إلى التعبير عن قلقها البالغ إزاء التطورات في شمال سوريا، ولا سيما في حلب.
وفي بيان رسمي، شددت القاهرة على ضرورة خفض التصعيد ووقف أعمال العنف، مؤكدة أهمية حماية المدنيين والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. كما أعادت التأكيد على أن الحل المستدام للأزمة السورية لا يمكن أن يكون عسكريًا، بل عبر مسار سياسي شامل يضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري ضمن إطار الدولة ومؤسساتها.
من جهتها، وجّهت وزارة الداخلية السورية اتهامات مباشرة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، متهمة إياها بتنفيذ هجمات ممنهجة استهدفت أحياء سكنية ومرافق طبية، من بينها مشفى الرازي، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، بينهم متطوعون في فرق الدفاع المدني.
واعتبرت الوزارة أن هذه الأعمال تمثل تصعيدًا خطيرًا يهدف إلى تقويض اتفاق العاشر من مارس، الموقع بين “قسد” والدولة السورية، والذي ينص على خطوات اندماج تدريجية في مؤسسات الدولة.
ارتباك في صفوف قسد
ووفق الرواية الرسمية، بدأت الأحداث بعد رصد تحركات وُصفت بـ”العدوانية” من نقاط تابعة لـ”قسد” باتجاه مواقع الجيش السوري، قبل أن تتطور الأمور إلى انسحاب عناصر من الحواجز المشتركة وفتح النار على قوى الأمن الداخلي؛ ما أسفر عن إصابة عدد من العناصر.
كما تحدثت السلطات عن حالة “ارتباك” داخل صفوف “قسد”، نتيجة تعثر محاولاتها فرض وقائع ميدانية جديدة، واعتمادها، بحسب الاتهامات، على دعم خارجي معادٍ للدولة السورية.
وتضيف المصادر الحكومية، أن الوضع في حيّي الأشرفية والشيخ مقصود يشهد تحديات أمنية معقدة، تتجاوز الاشتباكات العسكرية إلى قضايا اجتماعية وأمنية، مثل انتشار أنشطة غير قانونية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من أي تصعيد تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي في المدينة.
وتكتسب هذه التطورات أهمية إضافية مع اقتراب انتهاء المهلة الأولى لاتفاق 10 مارس 2025، الذي ينص على دمج عشرات الآلاف من عناصر “قسد” في مؤسسات الدولة السورية بحلول نهاية العام. ورغم استمرار النقاشات حول آليات هذا الاندماج، فإن الاشتباكات الأخيرة تلقي بظلال من الشك على مستقبل الاتفاق، وتطرح تساؤلات حول قدرة الأطراف على الالتزام بتعهداتها في ظل انعدام الثقة المتبادل.

العرب مباشر
الكلمات