ضمانات بلا عضوية: كيف تُفاوض أوكرانيا على أمنها خارج مظضلة الناتو
ضمانات بلا عضوية: كيف تُفاوض أوكرانيا على أمنها خارج مظضلة الناتو
برز ملف الضمانات الأمنية التي ستُمنح لأوكرانيا بعد أي وقف لإطلاق النار محتمل مع روسيا كأحد أبرز محاور النقاش في الاجتماعات التي عُقدت في برلين يومي 14 و15 ديسمبر، وفقًا لما نشرته شبكة "دويتش فيله" الألمانية.
وشارك في هذه المحادثات قادة أوروبيون إلى جانب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أن يُجرى اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي في ختام اللقاءات.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك، عبّر المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس زيلينسكي عن تفاؤلهما بالتقدم الذي تحقق، مشيرين إلى أن المباحثات تناولت ضمانات أمنية قريبة في مضمونها من تلك المنصوص عليها في المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، إلى جانب قضايا تتعلق بالحدود والأراضي.
التزامات قانونية بعد وقف إطلاق النار
وفي بيان القادة حول أوكرانيا، أشار القادة الأوروبيون إلى إنشاء قوة متعددة الجنسيات تقودها أوروبا، تضم مساهمات من دول راغبة في المشاركة، بهدف دعم إعادة بناء القوات الأوكرانية، وتأمين الأجواء الأوكرانية، وتعزيز سلامة الملاحة البحرية، بما في ذلك العمل داخل الأراضي الأوكرانية.
كما تضمن البيان التزامات تتعلق بفترة ما بعد السلام، من بينها آلية لمراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة دولية، إلى جانب التزام قانوني مُلزم، يخضع للإجراءات الوطنية لكل دولة، باتخاذ تدابير لإعادة السلام والأمن في حال تعرض أوكرانيا لهجوم مسلح مستقبلي.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادرها أن الرئيس زيلينسكي وافق خلال محادثات برلين على التخلي عن مساعي انضمام بلاده إلى حلف الناتو، مقابل الحصول على ضمانات أمنية غربية.
طبيعة الضمانات وحدودها
لا تزال الصورة غير واضحة بشأن الشكل العملي لهذه الضمانات. وذكر بيان القادة الأوروبيين أن التدابير قد تشمل استخدام القوة المسلحة، وتقديم دعم استخباراتي ولوجستي، إلى جانب إجراءات اقتصادية ودبلوماسية. وحتى الآن، لم تصدر الولايات المتحدة بياناً رسميًا مفصلًا في هذا الشأن.
وبحسب وكالة فرانس برس، قال مسؤول أمريكي إن أساس الاتفاق يقوم على توفير ضمانات قوية للغاية تشبه من حيث الردع المادة الخامسة، دون أن يشمل ذلك نشر قوات أمريكية على الأراضي الأوكرانية.
هل تشبه الضمانات المادة الخامسة للناتو؟
رأت سوزان ستيوارت، الباحثة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أن بيان القادة الأوروبيين وتضمّنه إجراءات ملموسة يمثلان خطوة بالغة الأهمية بالنسبة لأوكرانيا. وأوضحت أن الضمانات المحتملة تشبه من حيث المبدأ تلك التي يحصل عليها أعضاء الناتو بموجب المادة الخامسة، التي تلزم الحلف بدعم أي دولة عضو تتعرض لهجوم، مشيرة إلى أن هذه المادة لا تفرض بالضرورة ردًا عسكريًا، بل تترك لكل دولة اختيار الوسائل التي تراها مناسبة.
وأكدت ستيوارت أن التقييم الدقيق للضمانات لن يكون ممكنًا إلا بعد نشر جميع التفاصيل، لكنها شددت على أهمية هذه الخطوة التي تعكس استعدادًا أوروبيًا واضحًا للالتزام، لافتة إلى أن البيان يوحي بوجود تفاهمات مسبقة مع الولايات المتحدة.
وفي المقابل، اعتبرت كلوديا مايور، الخبيرة الأمنية في صندوق مارشال الألماني، أن الضمانات المطروحة لا ترقى إلى مستوى التزامات الناتو، موضحة أنها تمثل دعمًا سياسيًا وأمنيًا، لكنها لا تشكل التزامًا قانونيًا بالدفاع عن أوكرانيا في حال تعرضها لهجوم جديد. وأكدت أنه لا يمكن، بناءً على المعطيات الحالية، الجزم بإرسال قوات أو بتدخل عسكري مباشر كما هو الحال داخل الحلف.
روسيا وموقفها من المفاوضات
يرى محللون أن روسيا غير مستعدة لتقديم تنازلات في هذه المرحلة، إذ تعتقد أنها تسير على طريق تحقيق النصر، خصوصًا في إقليم دونباس، حيث تصر موسكو على السيطرة الكاملة عليه.
ويُعتقد أن الرئيس فلاديمير بوتين سيواصل الحرب ما لم يتحقق هذا الهدف.
كما عبّر خبراء عن شكوكهم في جدية الضمانات المقترحة، محذرين من تكرار سيناريو مذكرة بودابست أو اتفاقات مينسك السابقة، التي وُقعت لحماية سيادة أوكرانيا لكنها لم تمنع ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 ولا الغزو الشامل عام 2022. وأكدوا أن نجاح أي ضمانات مستقبلية يتوقف على مدى التزام الولايات المتحدة بتطبيقها فعلياً.
ومن جهته، حذّر ويلفريد ييلغه، الباحث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، من أن المحادثات الجارية قد تفضي إلى نسخة جديدة من اتفاقات مينسك، مشيراً إلى مخاطر إنشاء منطقة عازلة في دونباس قد تستغلها روسيا لاحقًا. ولفت إلى أن زيلينسكي أشار بعد محادثات برلين إلى اقتراح أمريكي بإنشاء منطقة اقتصادية حرة في المناطق الخاضعة حاليًا لسيطرة أوكرانيا.
رفض روسي لهدنة عيد الميلاد
وفي أول ردود موسكو على محادثات برلين، رفض الكرملين اقتراح المستشار الألماني بشأن هدنة قصيرة خلال عيد الميلاد. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن بلاده تريد سلامًا دائمًا، وليس هدنة تمنح أوكرانيا فرصة لإعادة تنظيم صفوفها واستئناف القتال.
وفيما يتعلق بالضمانات الأمنية، أكد بيسكوف أن روسيا لم تطلع بعد على أي نصوص رسمية، وأنها ستقوم بدراستها فور توفرها. وتشير التقديرات إلى أن الهجمات الروسية على أوكرانيا مرشحة للاستمرار خلال فترة الأعياد.

العرب مباشر
الكلمات