من شاطئ بوندي إلى العالم: قصة شجاعة مسلم أحرج الإرهاب والإسلاموفوبيا

من شاطئ بوندي إلى العالم: قصة شجاعة مسلم أحرج الإرهاب والإسلاموفوبيا

من شاطئ بوندي إلى العالم: قصة شجاعة مسلم أحرج الإرهاب والإسلاموفوبيا
السوري

في لحظة خاطفة، بين دوي الرصاص وصراخ الفارين، تولد أحيانًا قصص تتجاوز حدود الخبر العاجل لتتحول إلى مرآة أخلاقية للعالم، لم يكن شاطئ بوندي في سيدني، ذلك المكان المعروف بالاسترخاء والاحتفالات، مهيأً ليكون مسرحًا لمشهد بطولي استثنائي، لكن القدر اختار أن يختبر شجاعة إنسان عادي في ظرف غير عادي، وسط حالة الذعر الجماعي التي أحدثها إطلاق النار، خرج رجل من بين الحشود، لا يحمل سلاحًا ولا خبرة عسكرية، سوى قرار واحد محفوف بالمخاطر: إيقاف القاتل، خلال ثوانٍ، انقلب المشهد، وسقط الإرهابي أرضًا، لا بفعل قوة أمنية مدججة، بل بتدخل مدني مسلم، أعاد تعريف البطولة، ووجّه ضربة مزدوجة للإرهاب ولسرديات الخوف والكراهية التي طالما التصقت بالإسلام ظلمًا، إنها قصة أحمد الأحمد، التي تجاوزت حدود أستراليا لتصبح حديث العالم.

أنقذ أرواح


وقع الهجوم المسلح خلال تجمع احتفالي على شاطئ بوندي الشهير في سيدني، حين فتح مسلحون النار بشكل مفاجئ، ما أدى إلى حالة من الفوضى والهلع بين المشاركين، مشهد الركض الجماعي، وصفارات سيارات الشرطة، وصوت الطلقات، رسم صورة مأساوية سرعان ما تصدّرت شاشات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي، وفي خضم هذا الاضطراب، برز تصرف غير متوقع قلب مسار الحادثة.

أحمد الأحمد، رجل مسلم يبلغ من العمر 43 عامًا، كان يمر بالمكان مصادفة، دون أي استعداد أو خبرة في التعامل مع الأسلحة النارية، ومع ذلك، قرر في لحظة مصيرية أن يندفع نحو أحد المهاجمين، وينقض عليه، وينزع سلاحه، مسقطًا إياه أرضًا.

ثلاث حركات خاطفة، كان الخطأ في أيٍّ منها كفيلًا بإنهاء حياته، لكنها انتهت بإنقاذ أرواح لا تُحصى، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية وأسترالية.

مدني يواجه الإرهاب


وأعلنت الشرطة الأسترالية لاحقًا اعتقال شخصين على خلفية الهجوم، فيما أفادت هيئة الإذاعة الأسترالية بمقتل أحد المنفذين على الأقل، ووفق البيانات الرسمية، أسفر إطلاق النار عن مقتل 11 شخصًا، إضافة إلى إصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة، دون حسم نهائي لما إذا كانت الحصيلة تشمل أحد مطلقي النار.

مقاطع الفيديو التي انتشرت على منصة «إكس» وثّقت لحظات الرعب الأولى، حيث ظهر أشخاص يفرّون من الشاطئ والمتنزهات المجاورة، بينما أظهر أحد المقاطع رجلًا يرتدي قميصًا أسود وهو يطلق النار.

 غير أن مقطعًا آخر، لا يقل انتشارًا، أظهر نهاية مختلفة للمشهد، مدني يرفع يديه بعد السيطرة على السلاح، في إشارة واضحة إلى أنه لا يشكل أي تهديد، قبل أن يضع السلاح أرضًا ويغادر المكان.

ترامب يشيد بـ"الأحمد"


وبحسب تصريحات أدلى بها أقارب الأحمد لوسائل إعلام، بينها «سكاي نيوز» البريطانية، فإن أحمد يعمل صاحب متجر فواكه في سيدني، وهو أب لطفلين، يعيش حياة عادية بعيدًا عن أي نشاط أمني أو سياسي، وأكد ابن عمه مصطفى أن أحمد أصيب برصاصتين في ذراعه ويده أثناء المواجهة، ونُقل إلى المستشفى وهو يعاني من نزيف، على أن يخضع لعملية جراحية.

مشاهد أحمد وهو يتلقى الإسعافات، وقد غطى الدم ذراعه، تحولت إلى رمز إنساني لافت، رجل أعزل دفع ثمن شجاعته جسديًا، لكنه كسب تقديرًا عالميًا. 

هذا التقدير لم يقتصر على الشارع الأسترالي، بل وصل إلى أعلى المستويات السياسية، إذ أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدخل الأحمد، معتبرًا أن ما قام به أنقذ العديد من الأرواح، وموجّهًا له كل الاحترام والتقدير، في تصريح لافت عكس حجم التأثير الرمزي للحادثة.

البطل الأسترالي


على منصات التواصل الاجتماعي، انهالت التعليقات التي وصفت الأحمد بـ"البطل الأسترالي"، و"المدني الشجاع"، معتبرة أن تصرفه كشف الفرق بين الإرهاب كفعل إجرامي، والإسلام كدين طالما تعرّض للتشويه. 

كتب أحد المستخدمين: بطل عادي ينزع سلاح مهاجم.. بعض الناس شجعان"، بينما أكد آخر أن ما فعله أنقذ "أرواحًا لا تُحصى".

أبعد من الإشادة الفردية، فتحت هذه الواقعة نقاشًا أوسع حول ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، ففي كل مرة يقع فيها هجوم إرهابي، تُستحضر صورة نمطية جاهزة تربط الإسلام بالعنف، متجاهلة ملايين المسلمين الذين يعيشون كمواطنين مسالمين. 
تدخل أحمد الأحمد جاء كصفعة مباشرة لهذه السردية، إذ قدّم نموذجًا حيًا لمسلم وقف في مواجهة الإرهاب، لا دفاعًا عن نفسه فقط، بل عن مجتمع بأكمله.

كما أعادت الحادثة طرح أسئلة حول مفهوم البطولة في العصر الحديث، هل هي حكر على أصحاب الرتب والسلاح، أم أنها فعل إنساني ينبع من قرار أخلاقي لحظة الخطر؟

في سيدني، كان الجواب واضحًا، مدني أعزل، بدافع إنساني خالص، غيّر مسار مأساة، وترك أثرًا سيبقى حاضرًا في الذاكرة العامة، ليس فقط كقصة إنقاذ، بل كرسالة عالمية ضد الكراهية والتعميم.