تفجير الصباح الباكر.. موسكو تحت صدمة اغتيال أحد عقولها العسكرية.. من هو الجنرال سارفاروف؟

تفجير الصباح الباكر.. موسكو تحت صدمة اغتيال أحد عقولها العسكرية.. من هو الجنرال سارفاروف؟

تفجير الصباح الباكر.. موسكو تحت صدمة اغتيال أحد عقولها العسكرية.. من هو الجنرال سارفاروف؟
اغتيال سارفاروف

لم يكن صباح موسكو هادئًا كعادته، إذ اخترق انفجارٌ مدوٍ أحد الأحياء الجنوبية للعاصمة الروسية، حاملاً معه رسالة تتجاوز حدود جريمة جنائية عادية، اغتيال الفريق فانيل سارفاروف، أحد أبرز العقول العسكرية في هيئة الأركان العامة الروسية، لم يُنظر إليه بوصفه حادثًا معزولًا، بل كحلقة جديدة في سلسلة عمليات دقيقة تضرب العمق الروسي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

الحادث، الذي وقع في توقيت حساس سياسيًا وعسكريًا، أعاد إلى الواجهة تساؤلات قديمة–جديدة حول هشاشة الجبهة الداخلية، وقدرة الخصوم على نقل المواجهة من ساحات القتال المفتوحة إلى شوارع المدن الكبرى، وبينما سارعت موسكو إلى فتح تحقيق واسع وتلويح غير مباشر باتهام كييف، تتشابك الخيوط بين الأمن والسياسة، ليصبح الاغتيال عنوانًا لصراع استخباراتي صامت، لكنه بالغ التأثير، تتردد أصداؤه في الكرملين وخارجه.

اغتيال وتعدد للفرضيات

في نحو الساعة السابعة صباحًا بالتوقيت المحلي، كان الفريق فانيل سارفاروف يغادر فناء مجمع سكني في شارع ياسينيفايا جنوب موسكو، على متن سيارته من طراز كيا سورينتو، عندما دوّى انفجار عنيف أسفل المركبة، دقائق قليلة كانت كفيلة بتحويل المشهد إلى مسرح أمني مغلق، إذ نُقل الجنرال المصاب بجراح بالغة إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة لاحقًا متأثرًا بإصاباته.

لجنة التحقيق الروسية أكدت سريعًا أن سبب الوفاة يعود إلى انفجار عبوة ناسفة مغناطيسية جرى تثبيتها أسفل السيارة، في دلالة واضحة على عملية مدبّرة بعناية.

 المتحدثة باسم اللجنة، سفيتلانا بيترينكو، أوضحت أن فرقًا جنائية متخصصة أُرسلت إلى الموقع فورًا، وأن التحقيق يشمل فحوصات متقدمة في مجال المتفجرات والطب الشرعي، إلى جانب استجواب الشهود وتحليل تسجيلات كاميرات المراقبة.

لكن ما جعل الحادث يتجاوز طابعه الأمني المحلي هو الإعلان عن تعدد الفرضيات، وعلى رأسها احتمال تورط أجهزة استخبارات أجنبية، وتحديدًا الأوكرانية، هذا الاتهام، وإن لم يُصَغ بصيغة رسمية مباشرة، ينسجم مع خطاب روسي بات مألوفًا منذ عام 2022، حيث تُحمّل موسكو كييف مسؤولية سلسلة من عمليات الاغتيال التي استهدفت شخصيات عسكرية وإعلامية وسياسية داخل الأراضي الروسية.

رد الفعل الرسمي

الكرملين، من جهته، تعامل مع الحادث بحساسية بالغة، المتحدث باسمه دميتري بيسكوف أعلن أن الرئيس فلاديمير بوتين أُبلغ فورًا بمقتل سارفاروف، في إشارة إلى أهمية الموقع الذي كان يشغله الرجل داخل المؤسسة العسكرية، فالفريق الراحل لم يكن مجرد ضابط ميداني، بل رأس مديرية التدريب العملياتي التابعة لهيئة الأركان العامة، وهي جهة محورية في إعداد الخطط وتطوير جاهزية القوات المسلحة.

اغتيال سارفاروف يعيد إلى الذاكرة سلسلة طويلة من العمليات التي هزّت الداخل الروسي خلال الأعوام الأخيرة، من تفجير السيارة الذي أودى بحياة داريا دوغينا عام 2022، إلى مقتل المدون العسكري فلادلين تاتارسكي في سانت بطرسبرغ، مرورًا بمحاولات اغتيال سياسيين وقادة ميدانيين، وصولًا إلى تفجيرات وعمليات إطلاق نار طالت مسؤولين عسكريين بارزين في 2024 و2025، هذا التراكم الزمني خلق انطباعًا لدى الرأي العام الروسي بأن البلاد باتت ساحة مفتوحة لحرب ظلّ، تتداخل فيها الحسابات الاستخباراتية مع الرسائل السياسية.

في المقابل، تلتزم كييف غالبًا الصمت الرسمي أو النفي الضمني، لكنها لا تخفي خطابها التصعيدي على مستوى التصريحات، مسؤولون في الاستخبارات الأوكرانية، وعلى رأسهم مديرها كيريل بودانوف، أكدوا في مناسبات عدة أن بلاده تعتبر استهداف من تصفهم بـ"المتورطين في الحرب" جزءًا من معركة أوسع للدفاع عن السيادة الأوكرانية، هذا التباين بين النفي الرسمي والتصريحات العلنية يعقّد المشهد، ويجعل من الصعب فصل الأمني عن السياسي.

من هو سارفاروف؟


ووُلد سافاروف في 11 مارس 1969 في غريمياشينسك بمقاطعة بيرم، وتخرج من كلية "قازان العليا لقيادة الدبابات" عام 1990، ومن "أكاديمية المارشال مالينوفسكي العسكرية للقوات المدرعة" سنة 1999، وفي عام 2008، تخرج من "الأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية".

بين عامي 1992 و2003، خدم في النزاع الأوسيتي-الإنغوشي (صراع شرق بريغورودني) والحرب الشيشانية، ومن سنة 2015 إلى 2016، تولى مهاما في تنظيم وإدارة العمليات في سوريا.

وفي عام 2016، عُيّن رئيسا لمديرية التدريب العملياتي للقوات المسلحة الروسية، وفي 22 فبراير 2018، مُنح رتبة فريق بمرسوم من الرئيس الروسي.

حصل سارفاروف على "وسام الشجاعة" سنة 1995، وميدالية سوفوروف سنة 2000، وميدالية وسام "الاستحقاق للوطن" من الدرجة الثانية عام 2003، ووسام "الاستحقاق العسكري" عام 2014، وميدالية وسام "الاستحقاق للوطن" من الدرجة الأولى سنة 2014، كما مُنح لقب "مختص عسكري مُكرّم في روسيا" عام 2016.

في المحصلة، لا يمكن قراءة اغتيال سارفاروف بمعزل عن السياق الأوسع للصراع الروسي–الأوكراني، فالحادث يطرح تساؤلات عميقة حول فعالية الإجراءات الأمنية، وحدود الردع، وإمكانية انتقال المواجهة إلى مستويات أكثر تعقيدًا وخطورة.