2025 عام الانقلابات الكبرى.. عالم مضطرب بين حروب مفتوحة
2025 عام الانقلابات الكبرى.. عالم مضطرب بين حروب مفتوحة
لم يكن عام 2025 مجرد سنة أخرى في رزنامة الأحداث العالمية، بل بدا وكأنه نقطة انعطاف حادة في مسار النظام الدولي، حيث تراكبت الأزمات وتقاطعت الصراعات على نحو غير مسبوق، عالم خرج بالكاد من تبعات جائحة وأزمات اقتصادية خانقة، وجد نفسه أمام عودة الحروب التقليدية، وتصاعد النزاعات الإقليمية، واحتجاجات شعبية يقودها جيل شاب عابر للحدود، فيما عادت سياسات القوة والحمائية لتفرض إيقاعها على العلاقات الدولية.
من واشنطن إلى غزة، ومن الخرطوم إلى كييف، مرورًا بالفاتيكان وساحات الاحتجاج في عواصم الجنوب، شكّل 2025 لوحة معقدة من التوترات والتحولات.
قرارات سياسية صدامية، هدَن هشة، حروب بلا أفق، وأزمات مناخية متفاقمة، كلها اجتمعت لتجعل من هذا العام شاهدًا على مرحلة عالمية مضطربة، قد تكون مقدمة لتحولات أعمق في السنوات المقبلة.
عودة ترامب
اتسم عام 2025 بكثافة غير عادية في الأحداث المفصلية التي مست توازنات السياسة الدولية والاقتصاد العالمي والأمن الإقليمي، فقد تزامنت عودة زعماء مثيرين للجدل إلى الواجهة مع استمرار صراعات دامية، في وقت بدت فيه المؤسسات الدولية عاجزة عن فرض حلول حاسمة، بينما تصاعد دور الشارع والرأي العام، خصوصًا بين الأجيال الشابة.
في الولايات المتحدة، شكّلت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض واحدة من أبرز محطات العام. فمنذ الأيام الأولى لتوليه الرئاسة، أعاد ترامب إحياء عقيدة “أميركا أولًا” بنبرة أكثر حدّة وصدامية، مستهدفًا مؤسسات فيدرالية، وموسعًا من صلاحياته التنفيذية، ومشددًا القيود على الهجرة، فضلًا عن مواجهاته المفتوحة مع وسائل الإعلام وبرامج التنوع والشمول.
هذه السياسات عمّقت الانقسام الداخلي، وأثارت مخاوف واسعة لدى منظمات حقوقية وقانونية، خاصة مع محاولات تقويض بعض المكتسبات الاجتماعية.
ورغم تدخل القضاء لتعليق عدد من القرارات، فإن حالة الاستقطاب بقيت سمة أساسية للمشهد الأميركي، بالتزامن مع تراجع شعبية الحزب الجمهوري في انتخابات محلية، متأثرة بارتفاع تكاليف المعيشة والضغوط الاقتصادية.
فظائع غزة والسودان
على الضفة الأخرى من العالم، مثّل دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في أكتوبر محطة مفصلية بعد حرب مدمرة استمرت قرابة عامين.
الهدنة، التي جاءت بوساطة وضغوط دولية، خصوصًا من واشنطن، أوقفت مؤقتًا آلة الحرب، وسمحت بتبادل للأسرى وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية.
غير أن هشاشة الاتفاق بدت واضحة، في ظل استمرار التوترات الإقليمية، وتصاعد الضربات الإسرائيلية في محيط لبنان، ما أبقى المنطقة بأسرها في حالة ترقب وقلق دائمين.
وفي إفريقيا، واصل السودان انزلاقه نحو واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، فقد دخل النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع مرحلة أكثر دموية مع سقوط مدينة الفاشر، لتتحول البلاد إلى ساحة مفتوحة لانتهاكات واسعة، وانهيار شبه كامل للخدمات الأساسية، توصيف الأمم المتحدة لما يجري بأنه “حرب فظائع” لم يكن مبالغة، بل تعبيرًا عن عجز المجتمع الدولي عن وقف نزيف الدم، أو فرض مسار سياسي جاد يعيد البلاد إلى الاستقرار.
صراعات إقليمية
أما الحرب في أوكرانيا، فبقيت عنوانًا للاستعصاء الدولي فعلى الرغم من محاولات دبلوماسية أعيد إحياؤها مع عودة ترامب، فإنها لم تفضِ إلى اختراق حقيقي، المواقف الأميركية المتقلبة، والتوتر العلني مع القيادة الأوكرانية، قابلها استمرار التقدم العسكري الروسي، وتشديد العقوبات الغربية، ما جعل الصراع يدور في حلقة مفرغة، تُستنزف فيها الموارد دون أفق سياسي واضح.
اقتصاديًا، هزّت السياسات التجارية الأميركية الأسواق العالمية. إذ أطلق ترامب موجة جديدة من الرسوم الجمركية على قطاعات حيوية، ما أعاد شبح الحروب التجارية، وأثار مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي. ورغم التوصل إلى تفاهمات جزئية مع قوى كبرى، فإن حالة عدم اليقين بقيت مهيمنة، واضطرت الإدارة الأميركية إلى التراجع عن بعض الإجراءات لتخفيف العبء عن المستهلكين.
البابا والشباب
وفي حدث غير مسبوق، شهد الفاتيكان انتخاب أول بابا أميركي في التاريخ، روبرت فرانسيس بريفوست، الذي اتخذ اسم لاوون الرابع عشر، هذا التحول الرمزي حمل دلالات عميقة داخل الكنيسة الكاثوليكية، حيث سعى البابا الجديد إلى الموازنة بين التوجه الاجتماعي الداعم للفقراء والمهاجرين، وبين مطالب التيار المحافظ، في مرحلة دقيقة تمر بها المؤسسة الدينية عالميًا.
على صعيد الشارع، برز “الجيل زد” كلاعب سياسي جديد، فقد قاد شباب هذا الجيل موجات احتجاج واسعة في قارات عدة، مدفوعة بالغضب من الفساد وغلاء المعيشة وتقييد الحريات.
بعض هذه الاحتجاجات أثمر تغييرات سياسية مباشرة، فيما ووجهت أخرى بالقمع، لكنها جميعًا كشفت عن تحوّل عميق في طبيعة الفعل السياسي، حيث بات الشباب قوة لا يمكن تجاهلها.
كوارث وتصعيد
ولم تخلُ السنة من تصعيد عسكري مباشر للولايات المتحدة خارج مناطق النزاع التقليدية، مع تنفيذ ضربات في الكاريبي والمحيط الهادئ بذريعة مكافحة تهريب المخدرات، ما أثار توترات حادة مع دول في أميركا اللاتينية، وفتح نقاشًا واسعًا حول حدود استخدام القوة.
واختُتم العام على وقع كوارث مناخية غير مسبوقة، من أعاصير وفيضانات وحرائق، أعادت التحذيرات العلمية إلى الواجهة، وأكدت أن التغير المناخي بات عنصرًا ضاغطًا لا يقل خطورة عن الحروب والصراعات السياسية.

العرب مباشر
الكلمات