قبل المصادرة.. حرب أجنحة داخل الإخوان في لندن على كنز الأربعين كيانًا

حصري: قبل المصادرة.. حرب أجنحة داخل الإخوان في لندن على كنز الأربعين كيانًا

قبل المصادرة.. حرب أجنحة داخل الإخوان في لندن على كنز الأربعين كيانًا
جماعة الإخوان

لم يكن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصنيف فروع من جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية مجرد خطوة قانونية عابرة، بل أشعل موجة ارتدادات داخلية عنيفة في قلب التنظيم الدولي، وخصوصًا في لندن التي تحولت -خلال العقود الماضية- إلى غرفة عمليات مالية وتنظيمية للجماعة، فمع اقتراب شبح المصادرة وتجميد الأصول، خرجت إلى العلن صراعات كانت تُدار خلف الأبواب المغلقة، حيث تسابق قيادات متنافسة الزمن لإعادة ترتيب السيطرة على شبكات المال والمؤسسات الدينية والخيرية.

 لندن، التي وفّرت مظلة قانونية وتنظيمية للإخوان، باتت اليوم مسرحًا لانقسامات حادة، تتداخل فيها الحسابات السياسية مع المصالح الاقتصادية، وتختلط فيها شعارات الدعوة والعمل الخيري بمعارك النفوذ والهيمنة، وفي ظل قرار أميركي يطال عشرات الكيانات، يبدو التنظيم أمام اختبار وجودي قد يعيد رسم خريطته الدولية من جديد.

صراع على التمويل

أعاد القرار التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أواخر نوفمبر الماضي فتح أحد أكثر الملفات حساسية في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، وهو ملف التمويل والسيطرة على الأصول خارج الشرق الأوسط، فتصنيف فروع الجماعة في مصر والأردن ولبنان كمنظمات إرهابية أجنبية، مع ما يرافق ذلك من إجراءات مصادرة وتجميد أموال، أحدث حالة ارتباك غير مسبوقة داخل التنظيم الدولي، انعكست بشكل واضح على الساحة البريطانية.

ووفق معلومات متقاطعة حصلت عليها جهات بحثية وأمنية، تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة حدة الخلافات بين قيادات التنظيم الدولي وجبهة لندن، التي يقودها صلاح عبدالحق، حول من يمتلك حق السيطرة على الشركات والمراكز الإسلامية والمؤسسات المالية المرتبطة بالجماعة، هذه الصراعات لم تعد محصورة في تبادل الاتهامات أو البيانات التنظيمية، بل تطورت إلى اشتباكات فعلية ومحاولات اقتحام لمقار دينية، في مؤشر خطير على حجم الانقسام الداخلي.

أحد أبرز مظاهر هذا الصراع تمثل في الإعلان عن كيان جديد يحمل اسم "المنظمة الإسلامية في بريطانيا"، جرى تسجيله رسميًا ليعمل كواجهة قانونية بديلة، تسمح باستمرار النشاط التنظيمي تحت مظلة جديدة أقل عرضة للمساءلة، ويُعتقد أن هذا الكيان استُخدم لإعادة ترتيب السيطرة على دار الرعاية الإسلامية، إضافة إلى الإشراف على نحو 40 مسجدًا ومركزًا إسلاميًا موزعين في مدن بريطانية عدة، بينها لندن وبرمنغهام ومانشستر وغلاسكو.

اتهامات لمؤسسات اخوانية

وتشير تقارير بحثية صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، أن بريطانيا ما تزال تحتضن أحد أكبر البُنى التنظيمية للإخوان في أوروبا، مستفيدة من البيئة القانونية التي تتيح تسجيل الجمعيات الخيرية والدينية بسهولة نسبية، إلا أن هذه البيئة نفسها باتت اليوم موضع تدقيق متزايد، خاصة بعد القرار الأميركي الذي فتح الباب أمام تنسيق دولي أوسع لتجفيف منابع التمويل.

في هذا السياق، تبرز منظمة الإغاثة الإسلامية كأحد أكثر الكيانات إثارة للجدل، فالمنظمة، التي تأسست في بريطانيا على يد الطبيب المصري هاني البنا، تُقدَّم رسميًا كمؤسسة إنسانية تعمل في مجالات الإغاثة والتنمية، غير أن تقارير أمنية وبحثية تتهمها بالعمل على مستويين متوازيين: نشاط علني خيري، وآخر غير معلن يُستخدم لدعم أجندة جماعة الإخوان وتوسيع نفوذها السياسي والتنظيمي.

شارك في تأسيس المنظمة إلى جانب البنا كل من حشمت خليفة، الحاصل على الجنسية الأسترالية، والذي أعلن استقالته مؤخرًا، وأحمد كاظم الراوي، وهو قيادي عراقي محسوب على الجماعة، كما ارتبط اسم عصام الحداد، أحد أبرز قيادات الإخوان والمسجون حاليًا في مصر بعد إدانته في قضية تخابر، بتاريخ تأسيس المنظمة ودورها المبكر.

خلافات حادة

من جانبه، كشف مصدر مطلع لـ"العرب مباشر"، أن مع تصاعد المخاوف من إدراج هذه الكيانات ضمن نطاق المصادرة أو الملاحقة القانونية، اندلعت خلافات حادة بين تيارات داخل الجماعة في بريطانيا، وصلت في بعض الحالات إلى محاولات اقتحام عنيفة، من بينها ما جرى في أحد المراكز الإسلامية بمدينة غلاسكو، وتكشف هذه الأحداث عن حجم التوتر الداخلي، حيث يسعى كل طرف إلى تثبيت نفوذه قبل أن تتسع دائرة الإجراءات الدولية.

وأضاف المصدر، أن القرار الأميركي نفسه لم يترك مجالًا واسعًا للتأويل، إذ نصّ صراحة على إطلاق عملية تصنيف لبعض فروع جماعة الإخوان المسلمين أو أذرعها كمنظمات إرهابية أجنبية، مع الإشارة الواضحة إلى فروع مصر والأردن ولبنان، واعتبر الأمر التنفيذي أن هذه الفروع متورطة في دعم العنف أو تسهيله، والمشاركة في حملات تهدف إلى زعزعة الاستقرار، بما يضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى مراقبون، أن الخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في التصنيف بحد ذاته، بل في التداعيات اللاحقة له، خاصة إذا ما تبنّت دول غربية أخرى مقاربة مشابهة، ففي حال توسّع التنسيق الدولي، قد تجد جماعة الإخوان نفسها أمام شبكة خانقة من القيود القانونية والمالية، تهدد أحد أهم مصادر قوتها التاريخية: التمويل العابر للحدود.