خريطة النار في غرب أفريقيا.. كيف تتقدم الجماعات المسلحة على حساب الدول؟
خريطة النار في غرب أفريقيا.. كيف تتقدم الجماعات المسلحة على حساب الدول؟
تعيش منطقة غرب أفريقيا اليوم على وقع تحديات وجودية غير مسبوقة، جعلت ملامح الجغرافيا السياسية فيها تتبدل بسرعة تفوق قدرة الحكومات المحلية على المواكبة، فمن حدود مترامية لا تخضع لسيطرة الدولة، إلى توسع لافت للجماعات المسلحة العابرة للحدود، تبدو المنطقة وكأنها تتحرك على حافة انفجار واسع يُهدد الأمن الإقليمي برمته، لقد تحوّلت الممرات الحدودية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا والكاميرون إلى فضاءات مفتوحة لكل أشكال التجارة غير المشروعة، وصارت الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وبوكو حرام قادرة على إدارة خطوط الإمداد وتخطيط الهجمات دون عوائق تُذكر، ومع تفاقم الانقلابات العسكرية وتفكك المنظومات الإقليمية التي كانت تُشكّل مظلة أمنية مشتركة، أصبحت الحكومات الأفريقية تواجه بؤر تهديد متداخلة، ليس أقلّها انهيار التنسيق العسكري وغياب الدعم الجوي والاستخباراتي. هذه الظروف مجتمعة رسمت لوحة معقدة ما تزال فصولها تتكشّف، وتطرح أسئلة حادة حول مستقبل المنطقة واستقرارها.
حدود مفتوحة.. وجماعات تتمدد
تجد الدول الواقعة في غرب أفريقيا نفسها أمام واقع جيوسياسي بالغ الهشاشة، حيث تتقدم التنظيمات المتطرفة بخطى ثابتة نحو إعادة تشكيل خرائط النفوذ والسلطة، مستغلة تراجع حضور الدولة وتهالك المؤسسات الأمنية. فمن شمال مالي الذي يشهد منذ سنوات تمرّدًا واسعًا، إلى تخوم الكاميرون ونيجيريا التي تتعرض لضربات متكررة، تتراكم التهديدات بطريقة تُحاكي كرة ثلج تكبر بلا توقف.
أصبحت الحدود المشتركة بين دول المنطقة أشبه بشبكة ثقوب واسعة، تسمح بمرور السلاح والبضائع والوقود والمعادن النادرة عبر ممرات لا تُراقبها أي سلطة فعالة.
ويشير خبراء إلى أن الجماعات المتطرفة لم تعد تعمل في نطاق محلي ضيق، بل تبني منظومات لوجستية متكاملة تمتد عبر خطوط طويلة تربط الساحل بالعمق الغربي للقارة.
ويوضح الخبير الأفريقي د. رمضان قرني، أن الحدود تحولت إلى "مسارح مفتوحة" تتيح للجماعات المسلحة فرض وقائع جديدة ليس فقط في الدول التي تنشط فيها، بل أيضًا في دول الجوار التي تتأثر مباشرة بتدفق السلاح والمهربين.
ويؤكد قرني في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ضعف التنسيق الميداني بين الحكومات يُعد أحد أهم العوامل التي سمحت لهذه الجماعات بتعزيز قدراتها وتنفيذ عمليات نوعية.
أثر التحولات السياسية وانهيار التكتلات الإقليمية
شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أعادت ترتيب موازين القوى الداخلية وأضعفت الشراكات الأمنية الإقليمية، وفي مقدمتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
هذا التراجع وفّر هامشًا واسعًا للحركات المتطرفة كي توسّع نفوذها مستفيدة من غياب الضغط العسكري الموحد.
فالانقلابات، رغم رفعها شعارات "استعادة الأمن"، خلقت حالة من العزلة الدولية قلصت فرص الحصول على دعم استخباراتي وتقني كان أساسيا في مواجهة التنظيمات المسلحة.
ووفق تقديرات مراقبين، فإن هذه الفجوة الأمنية المنتجة عن انسحاب بعض القوى الغربية أفرزت فراغًا ملأته بسرعة جماعات القاعدة وبوكو حرام.
هجمات غير مسبوقة وحصار للعواصم
من أبرز التطورات التي صدمت الرأي العام الإقليمي كان نجاح جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في توسيع نطاق عملياتها وصولًا إلى فرض حصار جزئي على العاصمة المالية باماكو، هذا التصعيد أكد أن الجماعة باتت أكثر جرأة وقدرة على المناورة، خصوصًا بعد سلسلة عمليات دامية في نيجيريا وبوركينا فاسو.
ويصف محللون هذا التمدد بأنه إنذار خطير يكشف قدرة التنظيمات المتطرفة على تحدي الحكومات في أهم مراكز القرار السياسي، وهو مؤشر واضح على ضعف الدولة المركزية وعجزها عن تأمين محيطها الحيوي.
يقرّ الخبراء بأن الجيوش الوطنية في المنطقة عاجزة عن خوض حرب استنزاف طويلة في ظل ضعف الإمكانات التقنية، فغياب الطيران المسيّر والمروحيات القتالية يحدّ من قدرة الجيوش على مراقبة الحدود الوعرة واعتراض تحركات الجماعات المنتشرة في مناطق صحراوية شاسعة.
ويضيف د. قرني: أن الحلول الأمنية التقليدية لم تعد كافية، إذ تتحرك الجماعات بسرعة وتستفيد من البيئة الاجتماعية الفقيرة ومن التوترات العرقية لتجنيد الشباب، ما يمنحها مصادر دعم متجددة.

العرب مباشر
الكلمات