هل اقتربت نهاية نزاع الصحراء.. مجلس الأمن يمنح المغرب نصرًا دبلوماسيًا

هل اقتربت نهاية نزاع الصحراء.. مجلس الأمن يمنح المغرب نصرًا دبلوماسيًا

هل اقتربت نهاية نزاع الصحراء.. مجلس الأمن يمنح المغرب نصرًا دبلوماسيًا
الصحراء المغربية

قبل نحو نصف قرن، تحركت جموع المغاربة في ملحمة وطنية حملت اسم "المسيرة الخضراء"، اجتازت الصحراء لتعلن ارتباط الأرض بالهوية، وتفتح فصلًا طويلًا من النزاع السياسي والدبلوماسي في واحدة من أعقد القضايا الإفريقية، واليوم، وبينما يواصل المغرب بسط نفوذه على معظم أراضي الإقليم، يتحول الصراع من الميدان العسكري إلى قاعات الأمم المتحدة ومجالس القرار العالمي.

قرار مجلس الأمن الأخير، المدعوم من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، أعاد وضع الصحراء المغربية في صدارة الاهتمام الدولي، معتبرًا خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط "الحل الواقعي والعملي" لإنهاء النزاع، وبينما ترحب الرباط وتعارض الجزائر، يبقى السؤال الأعمق، هل تقترب قضية الصحراء من تسوية تاريخية تنهي أكثر الملفات استعصاءً في شمال إفريقيا؟

إقليم ما يزال معلقًا بين الاستقلال والاندماج

الصحراء المغربية، الممتدة على أكثر من 266 ألف كيلومتر مربع من ساحل الأطلسي، ما تزال تصنّفها الأمم المتحدة "إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي"، رغم السيطرة المغربية على ما يقرب من 80 بالمئة من مساحتها.

وتعد هذه المنطقة آخر القضايا الاستعمارية العالقة في القارة الإفريقية، حيث تطرح الرباط مشروع الحكم الذاتي كخيار "واقعي وذي مصداقية"، فيما تتمسك جبهة البوليساريو – المدعومة من الجزائر – بخيار الاستفتاء لتقرير المصير.

منذ وقف إطلاق النار عام 1991، ظل النزاع في حالة تجمّد سياسي، تشرف بعثة الأمم المتحدة "مينورسو" على مراقبته، ومع ذلك، فإن التحولات الدولية في السنوات الأخيرة دفعت الملف نحو مرحلة جديدة، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم عام 2020، وتبنّي عدد من الدول الأوروبية – بينها إسبانيا وألمانيا وفرنسا – الموقف ذاته بدرجات متفاوتة.

المسيرة الخضراء: من لحظة تاريخية إلى رمز وطني دائم
في السادس من نوفمبر 1975، خرج 350 ألف مغربي استجابة لنداء الملك الحسن الثاني في "المسيرة الخضراء"، عبورًا رمزيًا نحو الأراضي الصحراوية لتأكيد انتمائها للمملكة.

هذه المسيرة، التي اتسمت بالسلمية والتنظيم المحكم، شكلت لحظة مفصلية في التاريخ المغربي الحديث، وأرست مفهومًا جديدًا لـ"استرجاع الأرض بالوحدة الشعبية".

بعدها بعام، أعلنت جبهة البوليساريو قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، بدعم من الجزائر وعدد من الدول الإفريقية، لتبدأ حرب استنزاف استمرت 16 عامًا حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991.

ومنذ ذلك الحين، انحصر الصراع في ميدان الدبلوماسية، بينما واصلت الرباط ترسيخ حضورها الميداني والإداري عبر مشاريع تنموية واسعة في مدن العيون والداخلة والسمارة، جعلت منها مراكز حضرية متطورة مقارنة بماضيها القريب.

الجدار الرملي والحدود المعقدة

يمتد "الجدار الدفاعي" الذي أنشأه المغرب لمسافة 2700 كيلومتر، ليشكل خطًا فاصلًا بين الأراضي التي تسيطر عليها المملكة وتلك التي تنتشر فيها قوات البوليساريو، وعلى الرغم من الهدوء النسبي، فإن الحوادث المتفرقة – خاصة منذ تدخل القوات المغربية عام 2020 لتأمين معبر الكركرات المؤدي إلى موريتانيا – تُظهر هشاشة الوضع الميداني وإمكان عودة التوتر في أي لحظة.

وفي المقابل، تستمر الجزائر في دعم جبهة البوليساريو سياسيًا ولوجستيًا، مع وجود نحو 175 ألف لاجئ صحراوي في مخيمات تندوف، على بعد 1800 كيلومتر من الجزائر العاصمة. هذا الوجود أصبح ورقة ضغط إقليمية، في ظل قطيعة دبلوماسية متواصلة بين الرباط والجزائر منذ 2021.

تحولات الموقف الدولي: من التوازن إلى الانحياز النسبي

التحولات الأخيرة في مواقف القوى الكبرى تمثل مكسبًا دبلوماسيًا مهمًا للمغرب. فاعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء مثّل سابقة سياسية غيّرت موازين النقاش داخل الأمم المتحدة، كما أن دعم باريس في صيف 2024 لخطة الحكم الذاتي، بعد سنوات من الغموض، أضاف بعدًا أوروبيًا مؤثرًا، في حين ترى الجزائر أن هذه الخطوة تمثل "انحيازًا فاضحًا" يقوض مبدأ تقرير المصير، متهمة الرباط بمحاولة "فرض أمر واقع" بالقوة والاستثمارات، أما مجلس الأمن الدولي، فقد تبنى أخيرًا قرارًا بدعم الخطة المغربية بوصفها "الأكثر واقعية واستدامة"، ما يعكس تراجع التأييد الدولي لفكرة الاستفتاء التي تتبناها البوليساريو.

رغم أن المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا لم يحقق اختراقًا منذ توليه الملف عام 2021، فإن تحركه الأخير بين الرباط وتندوف والجزائر يعكس محاولة لإحياء المفاوضات المتوقفة منذ 2019.

ويقول دبلوماسي مغربي سابق لـ"رويترز": إن "الرهان اليوم لم يعد على استفتاء لن يُجرى أبدًا، بل على صيغة سياسية تحفظ ماء وجه الأطراف وتضمن استقرار المنطقة".

ويرى محللون، أن الحكم الذاتي قد يشكل تسوية وسطًا، خصوصًا إذا تم تدعيمه بضمانات دولية تحمي خصوصية سكان الإقليم وتمنحهم إدارة محلية موسعة ضمن السيادة المغربية، لكنّ الواقع الميداني والدعم الجزائري المستمر لجبهة البوليساريو يجعلان الوصول إلى اتفاق نهائي أمرًا بعيد المنال في المدى القريب، رغم وضوح توجه المجتمع الدولي نحو تثبيت الوضع القائم كأمر واقع.