تعز تختنق عطشًا.. الحوثيون يقطعون المياه والإخوان يعيقون الحلول

تعز تختنق عطشًا.. الحوثيون يقطعون المياه والإخوان يعيقون الحلول

تعز تختنق عطشًا.. الحوثيون يقطعون المياه والإخوان يعيقون الحلول
ميليشيا الحوثي

في تعز، المدينة التي كانت يومًا منارة الثقافة والمدنية في اليمن، لم يعد العطش حالة طارئة، بل أصبح واقعًا يوميًا مؤلمًا. 

الحصار الخانق الذي تفرضه ميليشيا الحوثي على المدينة منذ قرابة عقد، تتفاقم أزمة المياه في ظل غياب أي حلول حقيقية من سلطات الأمر الواقع، وعلى رأسها حزب الإصلاح الإخواني، الذي يسيطر على مفاصل الإدارة المحلية دون أن يقدّم شيئًا يُذكر للمواطنين.

تعطل شبكات المياه عن المواطنين 


تعطلت شبكة المياه العامة التي كانت تغطي نحو 80% من سكان المدينة، وتوقفت بشكل شبه تام منذ أعوام، وبدلاً من إطلاق خطة طوارئ إنسانية أو مشاريع بديلة، سيطرت جماعات مسلحة تابعة للإصلاح على بعض آبار المياه القليلة المتبقية، وأوقفت الضخ منها، ما فاقم المعاناة، وفتح بابًا جديدًا للاستغلال الاقتصادي.

ارتفاع جنوني في أسعار صهاريج المياه، ونقص حاد في الموارد، حول حياة السكان إلى رحلة يومية من البحث عن نقطة ماء، بينما يتواصل التلاعب بحاجاتهم الأساسية في ظل غياب صوت رسمي يحمّل المسؤولية أو يعتذر على الأقل.

حصار خارجي وخلل داخلي

منذ سيطرة الحوثيين على مداخل تعز في 2014، تحولت المدينة إلى سجن مفتوح، تحاصر فيه البنية التحتية كما تحاصر أحلام السكان. 

الشبكة المركزية للمياه تعرضت لتدمير واسع، والآبار التي كانت تمد المدينة بالمياه إما جفت أو سقطت تحت سيطرة أطراف متصارعة، حولت المياه إلى أداة نفوذ لا أداة حياة.

ومع كل هذه المعاناة، لم تنجح الجهات المسؤولة في المدينة، خصوصًا تلك المحسوبة على جماعة الإخوان، في تقديم أي رؤية عملية للتعامل مع الأزمة، بل على العكس، ساهم غياب التخطيط والإدارة الفعالة في تعقيد المشهد، خصوصًا مع الاتهامات المستمرة لعناصر مسلحة بمنع ضخ المياه من بعض الآبار.

 

بيانات المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي أظهرت تراجعًا مهولاً في تغطية شبكة المياه، إذ انخفضت نسبة الوصول من 83% في عام 2014 إلى أقل من 16% في عام 2021، وهو رقم كاشف لحجم الانهيار، وسط صمت رسمي يثير القلق.

من أزمة خدمية إلى كارثة إنسانية


اليوم، يعيش سكان تعز – كغيرهم من ملايين اليمنيين – تحت رحمة الأزمات المتداخلة، لكن أزمة المياه تحديدًا تشكل تهديدًا مباشرًا للحياة، وفق تقارير أممية، فإن أكثر من 15 مليون يمني يفتقرون إلى مياه نظيفة وكافية، وتعز تحتل الصدارة في هذا المشهد الكارثي.

الواقع في تعز تجاوز الفشل الخدمي، ليصل إلى حدود الكارثة الإنسانية. بين ميليشيات خارجية تحاصر، وقوى محلية تتقاسم الفوضى، يبقى المواطن هو الضحية الوحيدة، يترك وحيدًا يشتري قنينة ماء بسعر وجبة، ويعيش تحت الشمس بلا أنابيب ولا آبار، بينما تتسابق الأطراف على الشاشات لإلقاء اللوم وتبادل الاتهامات.

ويقول المحلل السياسي، يعقوب السفياني المدير الإقليمي لمركز "سوث 24" للأخبار والدراسات: إن مدينة تعز تعيش واحدة من أشد الأزمات الإنسانية في تاريخها الحديث، إذ تختنق حرفيًا بالعطش في ظل غياب أي حلول حقيقية، والأزمة لم تعد فقط نقصًا في المياه، بل أصبحت مأساة يومية تدفع ثمنها النساء والأطفال الذين يسيرون لساعات وسط طرق وعرة وخطرة، لجلب جالونات ماء لا تكفي لاحتياجات أسرة واحدة. 

ويضيف السفياني -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، إن مع تفاقم الأزمة، ارتفعت أسعار صهاريج المياه بشكل جنوني، لتصبح المياه سلعة نادرة لا يقدر عليها سوى القليل، وجماعة الحوثي، التي تسيطر على مصادر المياه الرئيسية في شرق المدينة، تمارس سياسة العقاب الجماعي من خلال قطع المياه عن السكان، وهو سلوك يرقى إلى جريمة حرب، ولكن المقلق أكثر أن القوى المسيطرة على القرار في تعز – وعلى رأسها حزب الإصلاح – لم تتعامل مع الأزمة بمسؤولية وطنية، بل تورطت في تسييس الملف ومنع مبادرات مجتمعية وحلول إنسانية كانت ستخفف من معاناة الناس، ما يثير تساؤلات مشروعة حول نوايا الأطراف المتحكمة داخل المدينة.