آسفي تحت الطوفان.. فيضانات مفاجئة تحوّل مدينة مغربية إلى منطقة منكوبة

آسفي تحت الطوفان.. فيضانات مفاجئة تحوّل مدينة مغربية إلى منطقة منكوبة

آسفي تحت الطوفان.. فيضانات مفاجئة تحوّل مدينة مغربية إلى منطقة منكوبة
طوفان آسفي

لم تكن مدينة آسفي، المطلة على الأطلسي والمعروفة بهدوئها النسبي، تتوقع أن تتحول في ساعات قليلة إلى مسرح مأساة إنسانية ثقيلة الوطأة، فبين مساء وليلة، انقلبت السماء من غيم عابر إلى عواصف رعدية عاتية، لتغمر المياه أحياء كاملة وتُدخل المدينة في واحدة من أكثر كوارثها الطبيعية قسوة خلال السنوات الأخيرة، لم يكن المشهد مجرد أمطار غزيرة، بل سيول جارفة باغتت السكان في منازلهم ومتاجرهم، وحوّلت الشوارع إلى أنهار موحلة، حاملة معها خسائر بشرية ومادية فادحة، ومع انحسار المياه تدريجيًا، بدأت تتكشف فصول يوم أسود خلّف قتلى وعشرات المصابين، وأعاد إلى الواجهة نقاشًا قديمًا حول الجاهزية، والبنية التحتية، وتأثيرات التغير المناخي التي باتت تضرب المغرب بوتيرة أكثر عنفًا وعدم توقّع.

استثنائية وغير مسبوقة

أسفرت الفيضانات المفاجئة التي ضربت مدينة آسفي، الواقعة على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب العاصمة الرباط، عن وفاة 21 شخصًا، وإصابة العشرات، وفق حصيلة رسمية أعلنتها السلطات المحلية.

 وجاءت الكارثة عقب هطول أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية شديدة، تركزت خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز ساعة واحدة، لكنها كانت كافية لإغراق المدينة القديمة وأحياء أخرى منخفضة.

وذكرت السلطات، أن التدفقات المائية كانت "استثنائية وغير مسبوقة"، حيث تسربت المياه بسرعة إلى المنازل والمتاجر، وجرفت سيارات، وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية، بما في ذلك أجزاء من الطرق الرئيسية.

ووفق بيانات رسمية، غمرت المياه ما لا يقل عن 70 منزلًا ومحالًا تجارية، بينما تضررت عشرات المركبات؛ ما أدى إلى شلل مروري واختناقات خانقة في عدة محاور حيوية.

الحصيلة الأولية أشارت إلى نقل 32 مصابًا إلى مستشفى آسفي الإقليمي، غادر معظمهم بعد تلقي الإسعافات الضرورية، فيما وُصفت حالات أخرى بأنها متوسطة إلى خطيرة، ومع حلول المساء، بدأت المياه بالانحسار، لكنها تركت خلفها مشهدًا ثقيلًا، شوارع مغطاة بالوحل، سيارات مقلوبة أو محاصرة، ومبانٍ تاريخية ومعالم دينية غارقة جزئيًا.

صدمة ما بعد الانحسار

الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عكست حجم الصدمة، سيول بنية اللون تجتاح الأزقة الضيقة، قوارب للوقاية المدنية تحاول الوصول إلى عائلات محاصرة، وسكان يطلقون نداءات استغاثة من النوافذ والأسطح. 

بعض المقاطع أظهرت عجز السكان عن إنقاذ ممتلكاتهم أو حتى مغادرة منازلهم في الوقت المناسب.

شهادات الأهالي حملت قدرًا كبيرًا من الحزن والغضب، حيث أكدوا في شهاداتهم لـ"فرانس برس": إن سرعة المياه فاقت كل التوقعات، بينما تساءلوا عن سبب غياب شاحنات شفط المياه في الساعات الأولى، مقارنة بأحداث سابقة كانت فيها تدخلات المصالح المختصة أسرع وأكثر تنظيمًا.

في المقابل، أكدت السلطات المحلية، أن وحدات الوقاية المدنية وقوات الإغاثة تحركت فور تلقي البلاغات، وبدأت عمليات إنقاذ وإجلاء في الأحياء الأكثر تضررًا، كما تواصلت عمليات البحث تحسبًا لوجود ضحايا آخرين، بالتوازي مع تأمين المناطق المتضررة وتقديم مساعدات عاجلة للأسر التي فقدت مساكنها أو تضررت ممتلكاتها.

استمرار الاضطرابات الجوية

لكن المأساة أعادت طرح أسئلة أعمق تتجاوز الحدث نفسه، فبحسب خبراء الأرصاد والمناخ، يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تغيرًا ملحوظًا في نمط الفصول، ورغم أن الخريف يُفترض أن يكون مرحلة انتقالية بانخفاض تدريجي في درجات الحرارة، فإن الاحتباس الحراري أدى إلى احتفاظ الغلاف الجوي بنسبة عالية من بخار الماء المتبقي من الصيف، هذا الخليط، كما يؤكد المختصون، يرفع احتمالات العواصف الرعدية المفاجئة والسيول السريعة، خاصة في المدن ذات البنية التحتية القديمة أو شبكات الصرف المحدودة.

المديرية العامة للأرصاد الجوية كانت قد حذرت مسبقًا من تقلبات جوية واسعة، معلنة عن أمطار غزيرة وعواصف رعدية في عدد من الأقاليم، إلى جانب تساقط الثلوج على المرتفعات التي تفوق 1700 متر. 

كما توقعت استمرار الاضطرابات الجوية في الأيام التالية، ما زاد من مخاوف تكرار السيناريو في مناطق أخرى.

ورغم أن المغرب يعاني في المقابل من جفاف حاد للعام السابع على التوالي، فإن هذه المفارقة المناخية – بين الجفاف والسيول – باتت سمة متكررة.

 وليست فاجعة آسفي الأولى من نوعها، ففي سبتمبر 2014، أودت فيضانات جنوب وجنوب شرق البلاد بحياة 18 شخصًا، قبل أن تتبعها في نوفمبر من العام نفسه كارثة أخرى أسفرت عن أكثر من 30 وفاة، أما في عام 1995، فلا تزال فيضانات وادي أوريكا قرب مراكش حاضرة في الذاكرة الجماعية، بعدما حصدت مئات الأرواح.