نوابغ العرب 2025.. من هو عباس الجمل وكيف وصل إلى قمة الهندسة العالمية؟

نوابغ العرب 2025.. من هو عباس الجمل وكيف وصل إلى قمة الهندسة العالمية؟

نوابغ العرب 2025.. من هو عباس الجمل وكيف وصل إلى قمة الهندسة العالمية؟
عباس الجمل

في لحظة تمثل تتويجًا لمسيرة علمية امتدت لأكثر من أربعة عقود، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فوز البروفيسور عباس الجمل بجائزة "نوابغ العرب" لعام 2025 في فئة الهندسة والتكنولوجيا. لم يكن هذا التتويج مجرد احتفاء بإنجاز فردي، بل اعترافًا عالميًا بدور عالم عربي استطاع أن يعيد رسم حدود الابتكار في مجال الاتصالات وتقنيات المعلومات، وأن يضع بصمته على منتجات يستخدمها الملايين حول العالم يوميًا،.

 الجمل، الذي انتقل من مدرجات جامعة القاهرة إلى مختبرات ستانفورد الأكثر تطورًا، شق طريقًا مليئًا بالبحث والتطوير، مقدّمًا إسهامات رائدة في نظرية معلومات الشبكات وأنظمة الاستشعار والدوائر الإلكترونية المبرمجة، واليوم، يُنظر إلى هذا الفوز بوصفه انتصارًا للعلم العربي وروح الإبداع التي لطالما واجهت التحديات.

رحلة بدأت من القاهرة وانطلقت إلى العالمية

جاء الإعلان عن فوز البروفيسور عباس الجمل بجائزة "نوابغ العرب" لعام 2025 تتويجًا لمسيرة علمية فريدة تجمع بين عمق النظرية وسحر التطبيق، ففي عالم تسوده المنافسة التقنية المحمومة، استطاع الجمل أن يثبت حضوره كأحد أهم الأصوات البحثية التي ساهمت في تطوير بنية الاتصالات الرقمية الحديثة، وأن يجمع بين التفوق الأكاديمي والتأثير الصناعي في آن واحد.

ولد عباس الجمل في مصر، وبدأ رحلته العلمية من كلية الهندسة بجامعة القاهرة، حيث تخرج عام 1972 بمرتبة الشرف، لم يكن هذا التفوق مجرد محطة دراسية عابرة، بل كان بوابة العبور إلى واحدة من أهم المؤسسات العلمية في العالم، جامعة ستانفورد.

هناك، تابع مشواره محققًا إنجازات متتالية، فحصل على ماجستيرين في الهندسة الكهربائية والإحصاء، قبل أن يتوج مساره بالحصول على الدكتوراه عام 1978، في لحظة شكلت نقطة تحول في فهمه للاتصالات الحديثة وتطبيقاتها.

إسهامات غيرت مسار التكنولوجيا العالمية

يُعرف الجمل عالميًا بكونه أحد أبرز العلماء الذين وضعوا اللبنات الأساسية لنظرية معلومات الشبكات، وهي النظرية التي أسهمت في جعل الاتصالات الرقمية أكثر سرعة وكفاءة واعتمادية، هذه الإسهامات لم تكن مجرد أوراق بحثية، بل أصبحت جزءًا أصيلًا من البنية التقنية للإنترنت وشبكات الاتصالات الحالية، وتبنّتها كبريات الشركات العالمية في تصميم منتجاتها.

كما شارك في تطوير مصفوفات البوابات القابلة للبرمجة (FPGA)، وهي مكونات دقيقة تتيح تصميم دوائر إلكترونية قابلة للتعديل تُستخدم على نطاق واسع في أجهزة الاتصالات، والروبوتات، والطائرات المسيّرة، وحتى الأنظمة العسكرية المتقدمة. 

كذلك ساهم في تطوير مستشعرات الصور CMOS التي أحدثت ثورة في الكاميرات الرقمية والهواتف الذكية، وجعلت التصوير عالي الدقة في متناول الجميع.

من المختبر إلى الصناعة: نموذج للعالم التطبيقي

لم يكتفِ الجمل بالعمل الأكاديمي، بل خاض تجربة عملية واسعة عندما انضم إلى شركة LSI الأمريكية عام 1984 مديرًا لمختبر أبحاث النظم، خلال هذه المرحلة، استطاع أن يدمج الرؤية الأكاديمية بالتصميم الصناعي، الأمر الذي أثمر عن ابتكارات تحولت إلى منتجات رقمية ناجحة داخل الشركة، وأسهمت في تعزيز مكانتها السوقية.

ويصف خبراء التكنولوجيا هذه المرحلة بأنها اللحظة التي ظهر فيها الجمل ليس فقط عالمًا نظريًا، بل مبتكرًا قادرًا على تحويل الأفكار إلى أجهزة ملموسة.

خلال مسيرته داخل جامعة ستانفورد، تدرج الجمل في المناصب حتى ترأس قسم الهندسة الكهربائية بين عامي 2012 و2017، وهي الفترة التي شهدت تغيرًا واسعًا في المناهج وأساليب التدريس، بحيث أصبحت أكثر تداخلًا بين الهندسة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

كما أشرف على مختبر نظم المعلومات بين عامي 2004 و2009، مانحًا عشرات الباحثين فرصة الانخراط في مشاريع علمية تحولت لاحقًا إلى شركات ناشئة ناجحة.

نشر الجمل أكثر من 230 بحثًا علميًا، إلى جانب مؤلفه المرجعي "نظرية معلومات الشبكات"، الذي يُدرّس اليوم في جامعات أمريكية وأوروبية وآسيوية؛ مما يجعل تأثيره أبعد بكثير من حدود عمله الشخصي.

تتويج مستحق.. ودلالة أوسع

يمثل فوز الجمل بجائزة "نوابغ العرب" رسالة مفادها: أن العقول العربية قادرة على المنافسة عالميًا عندما تتوفر بيئات تدعم البحث والإبداع، وهو أيضًا تكريمٌ لرؤية الشيخ محمد بن راشد، الذي حرص على إبراز نماذج عربية استطاعت أن تترك بصمتها في المجال العلمي العالمي.

وفي كلمة مقتضبة عقب التتويج، أعرب الجمل عن امتنانه لهذه اللفتة، معتبرًا أن الجائزة ليست تشريفًا شخصيًا بقدر ما هي تحفيز للأجيال القادمة على الاستمرار في مسار العلم والتطوير.