بعد اغتيال رائد سعد.. هل تدخل غزة في موجة تصعيد جديدة؟  

بعد اغتيال رائد سعد.. هل تدخل غزة في موجة تصعيد جديدة؟  

بعد اغتيال رائد سعد.. هل تدخل غزة في موجة تصعيد جديدة؟  
رائد سعد

لم يكد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة يلتقط أنفاسه حتى جاء اغتيال قيادي بارز في حركة "حماس" ليضعه أمام امتحان قاسٍ، ويعيد فتح أسئلة معلّقة حول هشاشة التفاهمات الميدانية وحدود الالتزام السياسي بها، فاستهداف رائد سعد، أحد أبرز قادة الجناح العسكري للحركة، لم يكن مجرد عملية أمنية عابرة، بل رسالة مركّبة تتجاوز حدود السيارة التي قصفت غرب مدينة غزة، في لحظة إقليمية مشحونة، ووسط ضغوط أميركية لإبقاء الهدنة قائمة، بدا الاغتيال كأنه شرارة تهدد بإعادة خلط الأوراق، ونسف توازن دقيق بُني على حسابات متضاربة ومصالح متناقضة.

 بين الرواية الإسرائيلية التي تربط العملية بـ"منع هجمات وشيكة"، والتحذير الحمساوي من انهيار الاتفاق، يتكشف مشهد سياسي وأمني معقد، تتداخل فيه حسابات الردع، ومسارات التفاوض، ومستقبل غزة بعد الحرب.

مستقبل الهدنة الهشة

أكدت حركة "حماس"، على لسان رئيسها في قطاع غزة وكبير مفاوضيها خليل الحية، مقتل القيادي البارز رائد سعد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارته غرب مدينة غزة، في واحدة من أكثر عمليات الاغتيال حساسية منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.

الإعلان لم يكن مجرد توثيق لحدث أمني، بل جاء محمّلًا بتحذيرات سياسية مباشرة من تداعيات قد تطاول مستقبل الهدنة الهشة.

الجيش الإسرائيلي كان قد أعلن، قبل تأكيد "حماس"، تنفيذ الغارة مساء السبت، واصفًا سعد بأنه أحد "مهندسي" هجوم السابع من أكتوبر 2023، وأنه لعب دورًا محوريًا في التخطيط لهجمات لاحقة، إضافة إلى انخراطه في إعادة بناء القدرات العسكرية للحركة خلال فترة وقف إطلاق النار، هذا التوصيف شكّل الأساس الذي استندت إليه القيادة السياسية الإسرائيلية لتبرير العملية.

الرد الإسرائيلي

في بيان مشترك، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس: إن قرار الاغتيال جاء ردًا على إصابة جنديين إسرائيليين جراء انفجار عبوة ناسفة في جنوب القطاع، معتبرين أن ما جرى يمثل "خرقًا خطيرًا" للاتفاق، ويستدعي ردًا حاسمًا.

وأضاف البيان: أن سعد كان يعمل على إعادة تشكيل قوة هجومية لـ"حماس"، في انتهاك لما وصفته إسرائيل بالتزامات الحركة تجاه خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بترتيبات ما بعد الحرب.

في المقابل، قدّمت "حماس" رواية مغايرة، رأت في الاغتيال تصعيدًا متعمدًا يهدد بنسف التفاهمات القائمة. خليل الحية، وفي خطاب مصوّر، حذّر من أن استمرار ما وصفه بـ"الخروقات الإسرائيلية"، من اغتيالات ومنع للمساعدات واستمرار التدمير، يضع الاتفاق برمته على حافة الانهيار.

 وطالب الإدارة الأميركية، بوصفها "الضامن الأساسي"، بالتدخل لإلزام إسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق ومنع تدهوره.

وأشار الحية، أن الحركة سارعت إلى تعيين قائد جديد لـ"ركن التصنيع العسكري"، في رسالة مزدوجة مفادها أن الاغتيالات لن تشل البنية التنظيمية لـ"حماس"، لكنها في الوقت نفسه تزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.

 ولفت إلى أن سعد يُعدّ أكبر قيادي في الحركة يتم اغتياله منذ بدء وقف إطلاق النار، ما يمنح العملية بعدًا استثنائيًا.

جولات تصعيد جديدة


من جانبه، يرى الدكتور محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن اغتيال القيادي في حركة حماس رائد سعد لا يمكن فصله عن سياق أوسع من التجاوزات الإسرائيلية المتكررة منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، معتبرًا أن العملية تمثّل، من الناحية القانونية والسياسية، خرقًا واضحًا للاتفاق، حتى وإن حاولت إسرائيل تغليفها بذرائع الدفاع الاستباقي.

ويؤكد المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يفترض وقف الاغتيالات والعمليات النوعية، لا سيما تلك التي تستهدف قيادات بارزة، لأن مثل هذه الضربات تغيّر قواعد الاشتباك وتنسف منطق التهدئة.

ويضيف: أن إسرائيل تعتمد سياسة التفسير الأحادي للاتفاق، فتمنح نفسها حق الرد والتصفية متى شاءت، بينما تحمّل الطرف الآخر كامل مسؤولية أي توتر ميداني، وهو ما يحوّل وقف إطلاق النار إلى حالة مؤقتة من ضبط النار لا أكثر.

ووفق المنجي، فإن استمرار الغارات، وإعاقة دخول المساعدات، والإبقاء على السيطرة العسكرية على أجزاء واسعة من القطاع، كلها مؤشرات على أن إسرائيل لا تتعامل مع الاتفاق بوصفه التزامًا سياسيًا ملزمًا، بل كأداة مرحلية لإدارة الصراع.

ويحذّر المنجي من أن تكرار مثل هذه الاغتيالات يضعف فرص تثبيت التهدئة، ويدفع الفصائل الفلسطينية إلى اعتبار الاتفاق هشًا وغير قابل للاستمرار، ما قد يفتح الباب أمام جولات تصعيد جديدة، ويقوّض دور الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي تجد نفسها أمام اختبار جدي لمدى قدرتها على كبح التجاوزات الإسرائيلية وضمان احترام الاتفاق.

الرجل الثاني

ميدانيًا، أفادت مصادر محلية، بأن طائرة مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة سعد بأربعة صواريخ على طريق الرشيد الساحلي؛ ما أدى إلى مقتله وثلاثة آخرين كانوا برفقته.

 اختيار الموقع والتوقيت يعكسان، بحسب مراقبين، رغبة إسرائيل في توجيه ضربة دقيقة تحمل رسالة ردع، من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

ويُنظر إلى رائد سعد، وفق مصادر داخل "حماس"، على أنه الرجل الثاني في قيادة الجناح العسكري بعد عز الدين الحداد، وصاحب نفوذ واسع في ملفات التصنيع العسكري والتخطيط العملياتي.

 أما إسرائيل، فتضعه في صدارة قائمة المطلوبين منذ اندلاع الحرب، معتبرة إياه عقلًا مدبرًا لعمليات نوعية استهدفت جنوبها.

سياسيًا، يأتي الاغتيال في وقت ما تزال فيه غزة منقسمة فعليًا إلى منطقتي نفوذ: شرق القطاع الذي تسيطر عليه القوات الإسرائيلية ويكاد يخلو من السكان، وغربه الذي استعادت "حماس" حضورها فيه، وسط دمار واسع وبنية تحتية منهارة. 

وبينما يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف إنسانية قاسية، تتصاعد الخلافات حول المرحلة التالية من الاتفاق.