عام على سقوط الأسد.. سوريا بين التحولات الأمنية والسياسية

عام على سقوط الأسد.. سوريا بين التحولات الأمنية والسياسية

عام على سقوط الأسد.. سوريا بين التحولات الأمنية والسياسية
سقوط بشار الأسد

يصادف الثامن من ديسمبر عام 2025 مرور عام كامل على الإطاحة بالدكتاتور السوري بشار الأسد، بعد أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد لسوريا، وفقًا لما نقلته شبكة "دويتش فيله" الألمانية.

تولى حافظ الأسد السلطة في عام 1971، وبعد وفاته تولى ابنه بشار الحكم في عام 2000، ليستمر النظام في حكم البلاد بأسلوب استبدادي أدى إلى اندلاع انتفاضة شعبية عام 2011، ثم حرب أهلية دامية استمرت نحو أربعة عشر عامًا.

في الثامن من ديسمبر 2024، شهدت سوريا هجومًا خاطفًا قادته ميليشيا هيئة تحرير الشام؛ ما أدى إلى سقوط نظام الأسد بسرعة غير متوقعة، حيث فر بشار وعائلته إلى روسيا، وأصبح أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام، الرئيس المؤقت لسوريا في يناير من العام ذاته.

الوضع الأمني والاستقرار

بعد أربعة عشر عامًا من الحرب، توقفت القصف بالطائرات الروسية والقنابل المتفجرة من المروحيات، إلا أن سوريا ما تزال تواجه تحديات أمنية كبيرة، حسب ما ورد في إحاطة مجلس الأمن للأمم المتحدة في نوفمبر.

تشهد العاصمة دمشق هدوءًا نسبيًا، وتشير تقارير "سوريا ويكلي" إلى انخفاض معدلات العنف إلى مستويات قياسية منتصف نوفمبر، إلا أن اشتباكات متفرقة ما زالت تحدث بين قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة ومجموعات أخرى، بما في ذلك الأقليات الكردية والدرزية.

كما أن القوات الموالية للأسد ما تزال موجودة لكنها تعمل بشكل مخفي، في حين تشكل عودة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية تهديدًا أمنيًا إضافيًا، مستغلة الفجوات في الانتشار الأمني. 

وأشار تقرير وكالة الاتحاد الأوروبي لشؤون اللجوء، أن السلطات الجديدة لا تسيطر بالكامل على البلاد، مع استمرار حدوث أعمال عنف، وجريمة، وردود فعل انتقامية في بعض المناطق.

العدالة الانتقالية


أحد الأسباب الرئيسة لاستمرار العنف هو استهداف الأشخاص المشتبه في تعاونهم مع نظام الأسد السابق. ولهذا تعتبر العدالة الانتقالية ضرورية لمعالجة الجرائم التي ارتكبها النظام السابق وغيرها من الأطراف، وفق ما أكده مركز سوريا للعدالة والمساءلة في واشنطن في سبتمبر.

في مايو، شكلت الحكومة السورية لجنتين مستقلتين، إحداهما للبحث عن آلاف المفقودين بعد الحرب، وأخرى للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها النظام السابق. 

وقد أظهر التقرير أن لجنة البحث عن المفقودين كانت الأكثر نشاطًا، بينما سجلت لجنة التحقيق في جرائم الأسد تقدمًا محدودًا بسبب نقص الدعم من الحكومة المركزية. 

كما انتقدت منظمات حقوقية لجنة العدالة الانتقالية لتركزها فقط على جرائم النظام السابق وتجاهلها انتهاكات محتملة من جهات أخرى مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها.

السياسة والديمقراطية


شهدت سوريا هذا العام أول انتخابات برلمانية شبه حرة، لكنها لم تكن مباشرة بالكامل واعتمدت بشكل أساسي على المجالس الانتخابية، يظل أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا حتى صياغة دستور جديد، وقد جرت مشاورات وطنية حول الدستور ومستقبل الحكم.

ما تزال هناك خلافات جوهرية بين الحكومة المؤقتة ومختلف المجتمعات حول شكل الحكم المستقبلي. 

ويشير النقاد إلى أن الشرع يعزز سلطاته ويتصرف بشكل متزايد كالديكتاتور. ويقول المحللون إن الحديث عن ديمقراطية حقيقية في سوريا ما زال سابقًا لأوانه، لكن المؤسسات الجديدة تمثل بداية متواضعة للعودة إلى السياسة الانتخابية.

السياسة الخارجية


شهدت سوريا تغييرات بارزة في السياسة الخارجية، مع إعادة فتح السفارات وتجول المسؤولين الجدد مثل وزير الخارجية والشرع حول العالم.

 وقد تمكن الشرع، الذي كان سابقًا مرتبطًا بتنظيم القاعدة، من التحدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة وزيارة البيت الأبيض في نوفمبر، ليصبح أول زعيم سوري يزور الولايات المتحدة منذ عام 1946.

تواصل سوريا التواصل مع جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، بما في ذلك روسيا والصين، ما يعكس توجهًا براغماتيًا في السياسة الخارجية بعد سقوط الأسد. 

ومع ذلك، ما تزال العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة داخل الأراضي السورية تشكل تحديًا كبيرًا، حيث تؤثر على المدنيين وتزيد التوترات الإقليمية وتهدد عملية الانتقال السياسي، وفق ما ذكرته الممثلة الخاصة للامم المتحدة.

المجتمع السوري وعودة النازحين

عاد نحو 2.9 مليون سوري إلى البلاد منذ انتهاء الحرب، بينهم 1.9 مليون نازح داخلي وأكثر من مليون عادوا من الخارج. ورغم العودة، يواجه هؤلاء مشاكل كبيرة، حيث تضررت البنية التحتية والمدارس والمستشفيات، وتوجد نزاعات حول ملكية المنازل. 

وأفاد المجلس النرويجي للاجئين، بأن العديد من العائلات تعود لتجد منازلها مدمرة، بينما أفادت اللجنة الدولية للإغاثة بأن أكثر من نصف شبكات المياه وأربعة من خمسة شبكات كهرباء مدمرة أو غير صالحة للعمل.
تقديرات إعادة الإعمار تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، وقد تكون أعلى. ومع ذلك، أظهرت تحليلات مؤسسات إغاثة مثل Mercy Corps تحسنًا تدريجيًا في إنتاج الكهرباء، بينما أعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية عن ترميم 823 مدرسة ومتابعة العمل في 838 أخرى.

تحسن اقتصادي محدود

يواجه العائدون صعوبة في إيجاد فرص عمل بسبب تداعيات الحرب على الاقتصاد، حيث يعيش نحو ربع السوريين في فقر مدقع. 

ومع ذلك، توقعت تقارير البنك الدولي نمو الاقتصاد بنسبة 1% في 2025. وأدى رفع معظم العقوبات المفروضة في عهد الأسد، بالإضافة إلى استثمارات بمليارات الدولارات من السعودية وقطر، إلى دعم التعافي الاقتصادي، رغم أن تأثير ذلك على حياة السوريين اليومية لم يظهر بعد بشكل ملموس