بين طاولة مسقط وزنازين صنعاء.. ملف المختطفين رهينة التصعيد الحوثي
بين طاولة مسقط وزنازين صنعاء.. ملف المختطفين رهينة التصعيد الحوثي
في الوقت الذي يُفترض فيه أن تُمهّد المفاوضات الإنسانية الطريق نحو انفراج معاناة آلاف الأسر اليمنية، تكشف الوقائع على الأرض عن مسار موازٍ أكثر قتامة، فبينما تحتضن العاصمة العُمانية مسقط جولة جديدة من المشاورات برعاية أممية لبحث ملف الأسرى والمختطفين، تتصاعد داخل مناطق سيطرة الحوثيين وتيرة الانتهاكات، لتعيد هذا الملف إلى دائرة الابتزاز السياسي والضغط الميداني، حادثة وفاة مواطن تحت التعذيب داخل أحد السجون الحوثية لم تكن مجرد واقعة معزولة، بل مؤشرًا صارخًا على فجوة عميقة بين الخطاب التفاوضي والممارسة الفعلية، ومع عودة الحديث عن محاكمات جديدة تطال موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، يبرز السؤال مجددًا، هل تتعامل الجماعة مع ملف المختطفين كقضية إنسانية خالصة، أم كورقة تفاوضية تُستخدم لفرض الشروط وتعظيم المكاسب؟
تعذيب وحشي
تزامن انعقاد الجولة الخامسة من مشاورات الأسرى والمختطفين في مسقط مع تطورات ميدانية خطيرة داخل مناطق سيطرة الحوثيين، أعادت ملف المعتقلين إلى واجهة الاهتمام الحقوقي والإعلامي.
ففي محافظة عمران، فارق المواطن اليمني أكرم عايض التركي الحياة داخل أحد مراكز الاحتجاز، بعد أيام من اختطافه وتعريضه لتعذيب وصفته مصادر حقوقية بـ«الوحشي».
وبحسب تلك المصادر، ظهرت على جثمانه آثار حروق وكدمات متعددة، ما يعزز الشكوك حول تعرضه لسوء معاملة ممنهجة أفضت إلى وفاته، الحادثة، التي وقعت في مديرية ظليمة، كشفت عن نمط متكرر من الانتهاكات التي تطال المدنيين خارج أي إطار قانوني.
فقد جرى اختطاف التركي بتوجيهات من مشرف أمني محلي، قبل أن تُبلغ أسرته لاحقًا بوفاته وتُطالب باستلام الجثة، في مشهد أثار موجة غضب واستنكار في الأوساط الحقوقية، وتأتي هذه الواقعة في وقت تحاول فيه الجماعة إظهار انخراطها في مسار تفاوضي يُفترض أن يخفف من معاناة آلاف المحتجزين.
محاكمات جديدة
بالتوازي، تستعد سلطات الأمر الواقع في صنعاء لإطلاق دفعة جديدة من المحاكمات بحق موظفين تابعين للأمم المتحدة ومنظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد على صلة ببعثات دبلوماسية.
وتواجه هذه الفئة اتهامات تتعلق بـ«التجسس» والتعاون مع جهات خارجية، وهي تهم طالما اعتبرتها منظمات دولية وحقوقية مفبركة وتفتقر لأبسط معايير العدالة والإجراءات القانونية السليمة.
هذه المحاكمات، التي وُصفت بأنها غير شرعية، تأتي رغم الدعوات الدولية المتكررة بوقفها والإفراج الفوري عن المحتجزين، خصوصًا العاملين في المجال الإنساني.
ويرى مراقبون، أن إصرار الحوثيين على المضي في هذا المسار، بالتزامن مع المفاوضات، يعكس رغبة في استخدام الملف كورقة ضغط سياسي، لا كقضية إنسانية مستقلة.
التجنيد مقابل الإفراج
في سياق متصل، كانت الجماعة قد أصدرت مؤخرًا أحكامًا بالإعدام بحق 17 شخصًا، في قضايا مرتبطة باتهامات مشابهة، ما أثار مخاوف من تصعيد قضائي يهدف إلى ترهيب الخصوم وتكريس مناخ الخوف.
وتشير تقارير إعلامية وحقوقية إلى وجود دور لخبراء إيرانيين في إدارة بعض ملفات الأمن والاختطاف، وهو ما يُتهم بأنه أسهم في تعقيد هذا الملف وتقويض فرص حله، إلى جانب ذلك، تكشف معلومات متداولة عن لجوء الحوثيين إلى ما يُعرف بسياسة «التجنيد مقابل الإفراج»، حيث جرى الإفراج عن مئات السجناء الجنائيين مقابل انضمامهم إلى جبهات القتال.
ووفق مصادر محلية، شملت هذه العمليات 348 سجينًا، معظمهم من محافظتي عمران والبيضاء، بينهم محكومون بالإعدام أو من انتهت مدد محكومياتهم، في خطوة تعكس توظيف السجون كخزان بشري لتعويض النقص في المقاتلين.
على الضفة الأخرى، تكثف منظمات حقوقية وأسر المختطفين ضغوطها على المجتمع الدولي لإحداث اختراق حقيقي في هذا الملف. فقد دعت رابطة أسر العاملين الإنسانيين المعتقلين والمخفين قسرًا الأمم المتحدة إلى ممارسة ضغط جاد وشفاف على الحوثيين للكشف عن مصير المحتجزين وأماكن احتجازهم، وتمكين ذويهم من زيارتهم والتواصل معهم دون قيود.
وأكدت الرابطة، أن احتجاز العاملين في المجال الإنساني يُعد انتهاكًا جسيمًا لا يجوز إخضاعه لأي مساومات سياسية، محمّلة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه موظفيها.
وحذرت من أن أي تراخٍ في معالجة هذا الملف لا يقوض فقط مبادئ العمل الإنساني في اليمن، بل يبعث برسائل خطيرة تهدد سلامة العاملين حاليًا ومستقبلًا.

العرب مباشر
الكلمات