الممر الآمن في رفح يتحول إلى عقدة تفاوضية بين ترامب ونتنياهو

الممر الآمن في رفح يتحول إلى عقدة تفاوضية بين ترامب ونتنياهو

الممر الآمن في رفح يتحول إلى عقدة تفاوضية بين ترامب ونتنياهو
نتنياهو

في أروقة السياسة بين واشنطن وتل أبيب، يتصاعد الجدل حول ما أصبح يُعرف بـ"أزمة الممر الآمن" في رفح، وهي عقدة جديدة تُهدد هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. 


فبينما تدفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتجاه تسوية "واقعية" تضمن خروج مقاتلي حركة حماس من الأنفاق وتسليم أسلحتهم لطرف ثالث، ترفض الحكومة الإسرائيلية بشدة أي خطوة قد تُفهم على أنها تنازل أو تراجع أمام الحركة. 

ويبدو أن الخط الأصفر، الذي يفصل بين مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي وعمق المدينة المدمّرة، بات رمزًا لمأزق أكبر من مجرد أزمة إنسانية أو أمنية، حيث بات اختبار لإرادة الطرفين في ترجمة وعود ما بعد الحرب إلى خطوات عملية.


في ظل هذا التجاذب، تُحاول واشنطن تحويل الأزمة إلى فرصة، بينما يراها نتنياهو معركة سيادة لا تقبل المساومة.

نسف المسار السياسي

تؤكد تقارير عبرية، أن الولايات المتحدة تكثف ضغوطها على حكومة بنيامين نتنياهو للموافقة على إنشاء "ممر آمن" يسمح بخروج عناصر حركة حماس المحاصرين في رفح، وتحديدًا داخل ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" الواقع تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، ويُقدر عدد هؤلاء المقاتلين بنحو مئتي عنصر، معظمهم يتحصنون في شبكة أنفاق معقدة تمتد تحت أطراف المدينة الجنوبية لقطاع غزة.

بحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية، فإن واشنطن ترى في استمرار حصار هؤلاء المقاتلين تهديدًا مباشرًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة عربية – أميركية، وتخشى أن يؤدي أي اشتباك جديد إلى نسف المسار السياسي الهش الذي تبنّته الأطراف بعد شهور من الحرب الطاحنة.

ترامب يعرض مقترحًا لتثبيت الهدنة 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لعب دورًا رئيسيًا في تثبيت الهدنة الأخيرة، عرض على إسرائيل مقترحًا يقضي بالسماح لمقاتلي حماس في أنفاق رفح بالاستسلام وتسليم أسلحتهم لطرف ثالث، على أن يحصلوا في المقابل على "عفو مشروط" بضمانة أميركية ودولية. 

فيما وصفت القناة 12 الإسرائيلية، هذا المقترح بأنه "مبادرة تسوية عملية"، تسعى واشنطن من خلالها إلى اختبار إمكانية تطبيق نموذج لنزع سلاح الحركة تدريجيًا، في إطار ما تعتبره خطوة أولى نحو إعادة ترتيب الوضع الأمني في القطاع.

تعنت إسرائيلي

إلى ذلك الحكومة الإسرائيلية، وبالأخص رئيسها نتنياهو، تبدو غير مستعدة لتقديم أي تنازل في هذا الملف. ففي تصريحات نقلتها القناة ذاتها، شدد مصدر في مكتب رئيس الوزراء على أن نتنياهو "يرفض رفضًا قاطعًا السماح بخروج أي مقاتل من رفح طالما بقي سلاح في أيديهم"، مضيفًا أن أي ممر آمن "سيُعدّ سابقة خطيرة تُضعف الردع الإسرائيلي وتمنح حماس فرصة لإعادة تنظيم صفوفها".

ويُدرك نتنياهو أن أي قبول بمقترح ترامب قد يُفسَّر داخليًا كخضوع للضغط الأميركي، وهو ما قد ينعكس سلبًا على موقعه السياسي في ظل تزايد الانتقادات داخل الائتلاف الحاكم، خاصة من وزراء اليمين المتشدد الذين يرون أن أي تفاهم مع حماس هو "إهانة لدماء الجنود الذين سقطوا في رفح".

الأمن مقابل الأعمار

من جهة أخرى، تُشير التسريبات إلى أن واشنطن لا تسعى فقط لحلّ إنساني أو ميداني، بل لتهيئة الأرضية لمقاربة سياسية أوسع تُعيد ضبط العلاقة بين غزة وتل أبيب ضمن معادلة "الأمن مقابل الإعمار".

فإخراج مقاتلي رفح، بحسب مسؤولين أميركيين، قد يكون نموذجًا يمكن البناء عليه لتفكيك الأجنحة المسلحة تدريجيًا، مع إبقاء الدور السياسي للحركة ضمن حدود متفق عليها دوليًا.

في المقابل، يخشى الإسرائيليون من أن يؤدي فتح ممر آمن إلى تعقيد الموقف أكثر مما يحله، إذ ترى المؤسسة الأمنية في تل أبيب أن مقاتلي حماس داخل الأنفاق "يمتلكون معلومات حساسة حول عمليات القتال وخطط الدفاع"، وأن خروجهم قد يُفضي إلى نقل هذه المعلومات إلى قادة الحركة في الخارج، ما يُعقّد جهود إسرائيل لتصفية بنيتها العسكرية.

من جانبه اعتبر الدكتور يحيي قاعود، الموقف الإسرائيلي الصلب لا يُخفي حساباته الانتخابية، فنتنياهو الذي يستعد لمواجهة استحقاقات سياسية قريبة، يعلم أن أي تراجع في ملف غزة قد يُفسَّر داخليًا على أنه "انحناء للعاصفة الأميركية".

 لذلك يصرّ على أن "لا ممرات ولا تفاهمات قبل نزع كامل للسلاح"، وفق تعبير مصدر في رئاسة الوزراء.

وقال قاعود في تصريحات للعرب مباشر: إن إدارة ترامب تُدرك أن ملف رفح قد يشكل مفتاحًا لترميم العلاقة المضطربة بين واشنطن وتل أبيب بعد شهور من الخلافات حول إدارة الحرب وملف المساعدات الإنسانية. لذلك تسعى واشنطن لتقديم مقترحات مرنة تحفظ لإسرائيل مظهر المنتصر، وتضمن في الوقت نفسه استقرار الهدنة.

تابع: " بينما تتواصل الاتصالات الدبلوماسية المكثفة، تظل رفح في قلب العاصفة: مدينة أنهكتها الحرب، تحولت أنفاقها من شريان حياة إلى فخّ دموي، ومقاتلوها من عناصر في مواجهة مفتوحة إلى ورقة تفاوض تتنازعها القوى الكبرى".