تحت غطاء الإعمار.. مشروع نويس في تكساس يفتح بابًا خلفيًا لعودة نفوذ الإخوان

تحت غطاء الإعمار.. مشروع نويس في تكساس يفتح بابًا خلفيًا لعودة نفوذ الإخوان

تحت غطاء الإعمار.. مشروع نويس في تكساس يفتح بابًا خلفيًا لعودة نفوذ الإخوان
مشروع نويس

في الوقت الذي تعلن فيه ولاية تكساس موقفًا صارمًا من جماعة الإخوان ومؤسساتها المرتبطة بها، يظهر على الأرض مسار مختلف تمامًا، يكشف عن مفارقة سياسية وقانونية مثيرة. فبين الحظر الرسمي وإجراءات التصنيف الأمني، يُسمح في المقابل بإطلاق مشروع ضخم لإعادة بناء مسجد "نويس" في مدينة أوستن، وهو مشروع لا يقتصر على منشأة دينية تقليدية، بل يمتد ليشكل مجمعًا مؤسسيًا متكاملًا يرتبط فكريًا وتنظيميًا بتاريخ الجماعة ونشاطاتها في الجامعات الأمريكية، هذا التناقض لا يثير تساؤلات حول طبيعة المشروع فحسب، بل يفتح بابًا واسعًا للحديث عن قدرة التنظيم على إعادة التموضع داخل المجتمع الأمريكي من خلال أدوات حضارية وتعليمية وثقافية، تُقدم كجزء من "التعايش" لكنها تحمل في جوهرها مشروع نفوذ طويل المدى، ما يحدث في أوستن يبدو أبعد من بناء حجارة.. إنه اختبار معلن لمدى جدية قرار الحظر وحدود تأثيره على أرض الواقع.

منصة مؤسسية

قرار ولاية تكساس بتصنيف جماعة الإخوان ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين كان بمثابة إعلان سياسي واضح، هدفه إغلاق الأبواب أمام أي نشاط تنظيمي أو تمدد مؤسسي داخل الولاية. 

غير أن الواقع سرعان ما أظهر ثغرات واسعة في هذا الموقف، بعدما حصل مشروع إعادة بناء مسجد "نويس" على موافقات رسمية، ليصبح أكبر مشروع ديني ـ تعليمي مرتبط بالجماعة في الولاية، وربما أحد أهم مشاريعها داخل الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.

المثير في المشروع أنه لا يقدم نفسه كمكان عبادة فقط، بل كمنصة مؤسسية مصممة بعناية لتعزيز الحضور الإسلامي المنظم داخل الجامعات ومحيطها الاجتماعي.

 التصميم العمراني ذاته يكشف هذا التوجه؛ فالمسجد يشغل الدور الأول بمساحة واسعة، بينما تُقام فوقه طبقات متعددة للسكن والتعليم والتأهيل الدعوي والإداري. 

هذا الدمج بين العبادة والوظيفة الاجتماعية والسياسية يعكس منهجًا تاريخيًا للإخوان يقوم على تحويل المساجد إلى مراكز حيوية لصناعة القيادات والتأثير في المجال العام.

الشق المالي في المشروع لا يقل أهمية، فوجود مبنى سكني متعدد الطوابق يوفر عائدًا سنويًا يتجاوز المليون دولار، يعني أن المسجد لا يعتمد على التبرعات العابرة، بل يضمن استقلالية مالية تمنحه قدرة أكبر على الحركة والتمدد، أخطر ما في الأمر أن هذا النموذج يمكن نسخه بسهولة في ولايات ومدن أخرى، وهو ما يقر به القائمون على المشروع الذين يقدمونه كنموذج وطني جاهز للتعميم.

أما موقع المشروع، فلا يمكن اعتباره اختيارًا بريئًا؛ فهو يقع بجوار جامعة تكساس، إحدى أكبر المؤسسات التعليمية الأمريكية، وعلى مسافة قريبة من مقر الحكومة المحلية في الولاية.

 هذا التقاطع المكاني بين التعليم والسياسة والحياة الطلابية يوفر بيئة مثالية لبناء شبكة نفوذ ناعمة داخل الفئات الشابة المؤثرة مستقبلًا. والأهم أن مدينة أوستن ذات الميول الليبرالية تقدم مناخًا أقل تشددًا رقابيًا وأكثر تقبلًا للمشروعات ذات الطابع الديني ـ الاجتماعي، وهو ما تستثمره الجماعة بوضوح.

تسهيلات محلية

من ناحية أخرى، يثير المشروع علامات استفهام حول المؤسسات المحلية في أوستن التي قدمت تسهيلات كبيرة، وصلت إلى حد السماح بنقل معلم تاريخي محمي لإفساح المجال للبناء الجديد، وهو إجراء استثنائي نادرًا ما يُمنح للمشروعات الخاصة.

 هذا التساهل الإداري يعكس ـ وفق كثير من التحليلات ـ غياب التنسيق بين القرار السياسي على مستوى الولاية والإجراءات التنفيذية على المستوى المحلي.

وتزداد الأسئلة تعقيدًا حين نعود إلى خلفية مسجد "نويس" نفسه. فهذا المسجد تأسس في السبعينيات على يد جمعية الطلاب المسلمين، وهي كيان نشأ تاريخيًا في أوساط قريبة من جماعة الإخوان. 

ومع مرور العقود، ظل المسجد مركزًا لنشاط ديني وتنظيمي له بعد فكري واضح، قبل أن يتحول اليوم إلى مشروع توسعي ضخم يُقدم بوصفه "مستقبل الإسلام المؤسسي في الغرب".

المثير أن الوثائق الرسمية للمشروع لا تُخفي طموحه، بل تتحدث صراحة عن نموذج مستدام للتوسع في الجامعات الأمريكية الكبرى، بما يعني أن أوستن ليست سوى البداية.

 كما يتضمن المشروع برامج لإعداد "قادة المستقبل" من خلال التدريب على الإدارة والعمل المؤسسي والدعوي، بما يشبه مدارس إعداد الكوادر التي تعتمدها الحركات الإسلامية عالميًا.