معركة ليبيا الجديدة.. توحيد المناصب السيادية في مواجهة الانقسام والإخوان  

معركة ليبيا الجديدة.. توحيد المناصب السيادية في مواجهة الانقسام والإخوان  

معركة ليبيا الجديدة.. توحيد المناصب السيادية في مواجهة الانقسام والإخوان  
ليبيا

في بلد لم يعرف الاستقرار منذ أكثر من عقد، تبرز قضية توحيد المناصب السيادية في ليبيا كأحد مفاصل الصراع السياسي التي تحدد ملامح المرحلة المقبلة، فبينما يرى البعض في هذه الخطوة محاولة لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مشتركة، يحذر آخرون من محاولات خفية تقودها قوى الإسلام السياسي لتقويض التوافق الوطني واستباق أي إصلاح حقيقي، ومع تصاعد الضغوط الدولية التي تطالب بإنهاء الانقسام المؤسسي، يسعى البرلمان الليبي إلى رسم مسار واضح لإعادة توزيع المناصب الكبرى في الدولة بما يعيد التوازن بين الأقاليم الثلاثة، برقة، فزان، وطرابلس، غير أن الطريق لا يبدو ممهدًا، إذ تتقاطع فيه الطموحات السياسية، والمصالح الإقليمية، والخشية من عودة الاستقطاب الذي عطّل العملية الانتخابية وأبقى البلاد في حالة جمود سياسي واقتصادي مزمن.

توحيد المؤسسات قبل تفكك الدولة

انطلقت من قبة البرلمان الليبي -خلال الأيام الماضية- مبادرة نيابية تضم 70 نائبًا، حملت نبرة تحذير واضحة من مخاطر أي تحركات أحادية الجانب في ملف المناصب السيادية.

 النواب شددوا في بيانهم على أن أي محاولة لإعادة التشكيل دون تنسيق مع مجلس الدولة لن تكون سوى خطوة نحو مزيد من الانقسام والتشظي.

وأكد البيان، أن توحيد السلطة التنفيذية يظل شرطًا أساسيًا لعمل المؤسسات الرقابية والقضائية بكفاءة، محذرين من أن استمرار الانقسام سيؤدي إلى شلل مؤسسي كامل.

 كما طالب النواب بتشكيل لجنة خاصة تتولى استلام ملفات المرشحين للمناصب العليا بالتنسيق مع مجلس الدولة، التزامًا باتفاق بوزنيقة المغربي الذي وضع منذ عام 2021 إطارًا لتوزيع تلك المناصب وفق معيار جغرافي بين الأقاليم الثلاثة.

رهان الشرعية وثقة الشارع

البيان النيابي أعاد تسليط الضوء على المناصب الحساسة التي تشكل العمود الفقري للمؤسسات الليبية، وتشمل محافظ مصرف ليبيا المركزي، النائب العام، رؤساء الهيئات الرقابية، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات.

وتحظى هذه المواقع بأهمية استثنائية كونها تحدد مسار الشفافية المالية والنزاهة الانتخابية، وهي ملفات لطالما مثّلت محورًا للصراع بين الشرق والغرب. 

وفي ظل الانقسام القائم منذ عام 2014، أصبحت هذه المناصب أداة نفوذ سياسية تستخدمها الأطراف المتنافسة لترسيخ مواقعها في السلطة، ما جعل توحيدها اليوم شرطًا لإنعاش العملية السياسية المجمّدة.

الإخوان على الخط: المفوضية الانتخابية ساحة المواجهة الجديدة

لم يغب البعد الإيديولوجي عن هذه التحركات، إذ حذر عضو مجلس النواب طلال الميهوب من محاولات تيار الإسلام السياسي، المتمثل في جماعة الإخوان وحلفائهم، للسيطرة على المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

" الميهوب" وصف هذه المساعي بأنها تهديد مباشر لاستقرار البلاد، مشيرًا إلى أن السيطرة على المفوضية من قبل هذا التيار ستمنحه القدرة على تمرير مشاريع تخدم أجنداته، وإقصاء التيار الوطني الداعم للجيش الوطني في الشرق.

ويرى مراقبون أن صراع النفوذ على المفوضية ليس مجرد تنافس إداري، بل معركة سياسية حول من يملك مفاتيح المرحلة الانتقالية المقبلة، في ظل التحضير لخارطة الطريق الجديدة التي أعلنتها الأمم المتحدة.

ضغط خارجي لتسريع الإصلاحات


تزامن الحراك البرلماني مع إعلان المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه، عن خريطة طريق تمتد بين 12 و18 شهرًا، تهدف إلى توحيد المؤسسات، وإعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات كخطوة تمهيدية نحو تنظيم اقتراع عام.

وتؤكد الأمم المتحدة، أن إصلاح المفوضية شرط أساسي لاستعادة الثقة في العملية الانتخابية التي تعثرت منذ ديسمبر 2021، مشيرة إلى أن توحيد المناصب السيادية من شأنه خلق بيئة أكثر استقرارًا لبلوغ الهدف النهائي: انتخابات نزيهة تضع حدًا لحالة الانقسام السياسي.

من جانبه، أصدر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قرارًا بتكليف لجنة من ثلاثة أعضاء للتواصل مع لجنة موازية في مجلس الدولة، بهدف استكمال الترتيبات الخاصة بالمفوضية وبقية المناصب السيادية، على أن تُعرض نتائج عملها لاحقًا على البرلمان للمصادقة.

من بوزنيقة إلى بنغازي.. مسار طويل نحو التوافق

يرجع مصطلح “المناصب السيادية” في ليبيا إلى ما بعد عام 2014، حين فُرض على مجلسي النواب والدولة التوافق بشأن سبعة مناصب عليا تعدّ ركائز الدولة. 

وقد شهدت مدينة بوزنيقة المغربية عام 2021 جولات تفاوض مطوّلة بين ممثلي المجلسين، حيث تم الاتفاق على توزيع المناصب وفق الأقاليم التاريخية الثلاثة، في محاولة لتبديد الهواجس المتعلقة بالتمثيل الجغرافي والقبلي.

غير أن الاتفاق لم يُفعّل بالكامل، إذ اصطدم لاحقًا بتجاذبات سياسية، واتهامات متبادلة بتعطيل المسار، ما أعاد الملف اليوم إلى الواجهة بعد أن بات شرطًا أساسيًا لإعادة بناء الثقة بين المؤسسات.

بين صراع النفوذ وضغط الخارج

التحركات الحالية تعكس بحسب مراقبين سباقًا محمومًا بين القوى الليبية لتثبيت مواقعها قبل أي تسوية شاملةـ فبينما تحاول حكومة الوحدة في طرابلس الحفاظ على نفوذها الإداري، يسعى البرلمان في الشرق إلى ضمان ألا تتحول المفوضية أو المصرف المركزي إلى أدوات ضغط سياسي بيد خصومه.

من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي، أن معركة توحيد المناصب السيادية في ليبيا تمثل أكثر من مجرد استحقاق إداري أو دستوري، بل هي صراع وجود بين مشروع الدولة الوطنية ومشروع الفوضى الذي يسعى تيار الإسلام السياسي إلى إعادة إنتاجه تحت شعارات المشاركة والشرعية.

 ويقول العبدلي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-: إن جماعة الإخوان تسعى منذ سنوات إلى التمركز داخل المؤسسات الحساسة مثل المفوضية العليا للانتخابات والمصرف المركزي وديوان المحاسبة، لما تمثله هذه المواقع من نفوذ حقيقي يمكّنها من التحكم في مسار العملية السياسية والاقتصادية، حتى دون امتلاك قاعدة شعبية واسعة.

 ويضيف: أن البرلمان الليبي، بتحركه الأخير، يحاول إغلاق الثغرات التي تسللت منها الجماعة في السابق، مستفيدًا من تنامي الوعي الشعبي بخطورة استمرار الانقسام المؤسسي، ومن تراجع الدعم الدولي للمشاريع المؤدلجة.

 ويؤكد العبدلي، أن التحدي الأكبر أمام الليبيين اليوم هو تحصين المؤسسات السيادية من التوظيف السياسي، ووضع آليات تضمن استقلالها الكامل، لأن أي اختراق جديد سيعيد البلاد إلى نقطة الصفر.

ويختتم قائلاً: "ليبيا لا تحتاج إلى مناصب جديدة بقدر حاجتها إلى إرادة وطنية صلبة، تضع مصلحة الدولة فوق كل الحسابات الحزبية والجهوية".