واشنطن تلوّح بالعقوبات.. سباق النفوذ على البحر الأحمر يشتعل مع اقتراب موسكو من بورتسودان
واشنطن تلوّح بالعقوبات.. سباق النفوذ على البحر الأحمر يشتعل مع اقتراب موسكو من بورتسودان
يعود البحر الأحمر مجددًا إلى الواجهة الدولية كأحد أكثر الممرات البحرية حساسية واستراتيجية في العالم، بعد الكشف عن عرض قدّمته حكومة بورتسودان يسمح لروسيا بإنشاء أول قاعدة بحرية لها في القارة الأفريقية، هذا التطور، الذي نقلته تقارير أمريكية وصحف دولية بارزة، لم يمر مرور الكرام في واشنطن، التي سارعت إلى التهديد بفرض عقوبات على أي جهة سودانية تمضي في اتفاق قد يغيّر موازين القوى في المنطقة.
وفي وقت يشهد السودان حالة اضطراب سياسي وصراعًا عسكريًا معقدًا، يبدو أن القوى الدولية تستغل هشاشة الوضع للتمدد في أحد أكثر المواقع البحرية أهمية، حيث يمر ما يقارب 12% من التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، وبين مطامع موسكو في توسيع حضورها العسكري، وقلق واشنطن من تنامي نفوذ خصومها في أفريقيا، يصبح السودان مسرحًا لصراع جيوسياسي متجدد قد يترك بصماته على مستقبل المنطقة بأكملها.
تهديد أمريكي مباشر
تشير المعطيات الأخيرة إلى أن البحر الأحمر يتحول تدريجيًا إلى ساحة تنافس محتدم بين القوى الكبرى، مع سعي كل طرف لتأمين موطئ قدم على سواحله.
وفي خضم هذا المشهد، فجّرت التقارير المتعلقة بعرض حكومة بورتسودان إنشاء قاعدة بحرية روسية لأول مرة في أفريقيا موجة واسعة من التفاعلات الدولية. فواشنطن، التي تراقب جهود موسكو للتوسع في القارة منذ سنوات، لم تتردد في التلوّح بعقوبات على أي كيان سوداني يبرم اتفاقًا عسكريًا مع روسيا.
مسؤول أمريكي لم يُخفِ قلق بلاده من هذه الخطوة، معتبرًا أن التعامل مع قطاع الدفاع الروسي يحمل عواقب خطيرة، قد تشمل فرض عقوبات قاسية بموجب القوانين الأمريكية التي تستهدف إضعاف الصناعات العسكرية الروسية، كما شدّد على أن أي تعاون عسكري مع موسكو في هذه المرحلة من شأنه تعميق عزلة حكومة بورتسودان ودفع البلاد نحو مزيد من الاضطراب، وفقًا لتصريحات إعلامية.
هذا التهديد لم يأتِ من فراغ، فإدارة الرئيس الأمريكي – سواء الحالية أو الإدارات السابقة – ترى في أي وجود روسي دائم على البحر الأحمر عاملًا استراتيجيًا مقلقًا، لما يمثله من باب جديد للنفوذ العسكري قد يعيد رسم خرائط القوة في المنطقة.
ما الذي تريده موسكو؟
من وجهة نظر روسية، فإن صفقة كتلك تمثل فرصة ثمينة، فمنذ سنوات، تعمل موسكو على تثبيت حضورها في أفريقيا كمنافس للولايات المتحدة والصين، أما البحر الأحمر تحديدًا، فهو بوابة مثالية للمتوسط والمحيط الهندي في آن واحد، وهو ما يمنح السفن الروسية مرونة في الحركة العسكرية وقدرة على مراقبة خطوط التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس.
وبحسب ما كشفته وول ستريت جورنال، فإن الاقتراح المقدم من بورتسودان يمنح روسيا حق نشر 300 جندي ورسوّ أربع سفن حربية، بما فيها السفن النووية، لمدة قد تصل إلى 25 عامًا، مثل هذا الوجود يُعد الأكبر من نوعه لروسيا في أفريقيا، ويمنحها نفوذًا غير مسبوق على أحد أهم الممرات الاقتصادية في العالم.
سودان مثقل بالأزمات
في الجانب السوداني، يبدو أن الظروف الداخلية هي التي دفعت حكومة بورتسودان إلى الاقتراب من موسكو، فالحرب المستمرة، وتدهور الوضع الأمني، وفقدان السيطرة على مناطق حيوية مثل دارفور، كلها عوامل دفعت الحكومة للبحث عن داعم خارجي يوفر لها السلاح والتكنولوجيا العسكرية بأسعار تفضيلية.
إلا أن هذا الخيار لا يخلو من المخاطر، فالتعاون العسكري مع روسيا قد يقطع آخر خيوط التواصل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويعرض السودان لعقوبات إضافية في وقت يحتاج فيه بشدة إلى انفتاح اقتصادي ودعم دولي لوقف انهيار مؤسساته.
ولا يمكن قراءة الأزمة بعيدًا عن الأهمية المتزايدة للبحر الأحمر في الحسابات الجيوسياسية. فالممر البحري الذي يربط بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، وتمر عبره نسبة كبيرة من واردات أوروبا وآسيا، بات جزءًا من سباق النفوذ بين القوى الكبرى.
كما أن التنافس بين واشنطن وموسكو – ومعهما الصين – يتجاوز حدود السودان، ليشمل السيطرة على الموانئ والمضائق وخطوط التجارة التي يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى أدوات ضغط سياسي واقتصادي.
ولهذا، ترى الولايات المتحدة أن أي تمركز عسكري روسي في بورتسودان قد يشكل تهديدًا مباشرًا لتوازنات القوى في المنطقة.

العرب مباشر
الكلمات