بين طهران وصنعاء: خطوط تهريب مشبوهة تمهّد لولادة برنامج كيميائي حوثي
بين طهران وصنعاء: خطوط تهريب مشبوهة تمهّد لولادة برنامج كيميائي حوثي
تشهد الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر والخليج تحوّلًا نوعيًا يتجاوز حدود الهجمات التقليدية التي ينفذها الحوثيون، فبينما انشغل العالم بعمليات استهداف الملاحة الدولية والتوغل النوعي للطائرات المسيّرة نحو العمق الإسرائيلي، ظهرت إشارات متزايدة ــ بعضها استخباراتي وبعضها عملياتي ــ توحي بأن الجماعة قد بدأت اختبار مقاربات أولية تمسّ مجال الأسلحة الكيميائية، ورغم أن الحوثيين يفتقرون إلى بنية علمية وصناعية قادرة على إنتاج برنامج كيميائي متكامل، فإن مراقبين وصفوا الخطوة بأنها انتقال محتمل من الحرب الرمادية إلى حرب أكثر خطورة، خصوصًا مع بروز أدلة على محاولات تهريب سلائف كيميائية من إيران واختبار وسائل إطلاق بدائية، مؤكدين أن أي انزلاق في هذا الاتجاه لن يغيّر فقط قواعد الاشتباك المحلية، بل سيؤثر بشكل مباشر على التجارة العالمية، وممرات الطاقة، وأمن الموانئ التي تُعد شرايين الاقتصاد الدولي.
اتهامات رسمية وتحركات سرية
كشف مصدر مطلع، أن مؤشرات متعددة بدأت تتقاطع لدى أجهزة الاستخبارات الإقليمية والغربية حول احتمال سعي جماعة الحوثي إلى تطوير قدرة كيميائية محدودة يمكن استخدامها في مسرح العمليات البحرية أو البرية خلال المرحلة المقبلة.
ويؤكد المصدر في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن المعلومات المتاحة ليست كافية للحديث عن برنامج متكامل، لكنها ترجّح وجود "محاولات تقنية مبكرة" قد تتحول إلى تهديد فعلي إذا لم تُواجَه بتنسيق دولي عاجل.
بحسب مصادر حكومية يمنية تحدّثت لـ"العرب مباشر"، فإن الأجهزة الأمنية تمكنت خلال العام الماضي من ضبط شحنة إيرانية ضخمة قُدّر وزنها بنحو 750 طنًا، تضمنت مواد مزدوجة الاستخدام يُشتبه بإمكانية تحويلها إلى مكونات لصناعة مواد سامة أو عوامل خانقة قابلة للتركيب على صواريخ قصيرة المدى أو طائرات مسيّرة.
وتكشف المصادر، أن هذه المواد نُقلت في حاويات مموّهة إلى جانب أسلحة تقليدية، ما يُشير إلى وجود نيّة لإخفاء طبيعتها ضمن عمليات التهريب المعتادة بين طهران والحوثيين.
وتضيف المصادر، أن الحكومة اليمنية رصدت مؤخرًا إنشاء الحوثيين منشآت صغيرة تشبه "مختبرات تحويل" وليست مصانع إنتاج، وهي غالبًا تستخدم لإجراء تجارب أولية على مواد صناعية يمكن تطويرها لاحقًا.
ويقدّر مسؤول أمني، أن الجماعة قد تكون في المرحلة التحضيرية لجمع الخبرات والاختبار، وليس في مرحلة تصنيع فعلي.
من جهتها، أكدت مصادر أمنية، أن تجربة تنظيم داعش في العراق وسوريا عام 2015 ما تزال تشكل مرجعًا مهمًا لفهم التطوير المحتمل لدى الحوثيين، فداعش تمكن، رغم محدودية خبرته وغياب البنية الصناعية، من دمج عوامل كيميائية بدائية ضمن عبوات ناسفة وصواريخ محلية الصنع.
ويخشى خبراء، أن يلجأ الحوثيون إلى نموذج مشابه، يعتمد على التجريب قبل الاحتراف، خصوصًا في ظل سهولة تهريب السلائف عبر شبكات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
القدرة على بناء برنامج كيميائي
تشير المصادر الخاصة لـ"العرب مباشر" إلى أن بناء برنامج كيميائي ــ حتى لو كان محدودًا ــ يحتاج إلى عاملين أساسيين: الأول هو خبرة فنية عالية في مجالات الكيمياء الصناعية والهندسة، والثاني هو وصول مستمر إلى المواد الخام ذات الاستخدام المزدوج.
ورغم أن الحوثيين يفتقرون إلى الخبرة المحلية، فإن الدعم الإيراني ــ سواء عبر خبراء أو عبر توفير مواد أولية ــ قد يسد جزءًا من هذا النقص، ومع ذلك، يظلّ التحدي الأكبر هو كيفية تثبيت المواد السامة في رؤوس حربية قابلة للاستخدام، وهي عملية معقدة تحتاج إلى تقنيات وبيئات مسيطر عليها يصعب توفيرها في مناطق القتال.
تقول مصادر عسكرية، إن الجماعة قد تفكر في استخدام منصاتها الحالية ــ الصواريخ القصيرة والمسيرات الانتحارية ــ لنشر مواد كيميائية خانقة أو مهيجة، لكنّ تحقيق ذلك يتطلب قدرة على حماية المواد أثناء الإطلاق وضمان وصولها إلى الهدف دون تحلل، وتعتقد المصادر أن الحوثيين قد يختبرون وسائل بدائية أولًا، مثل العبوات البحرية، والمواد القابلة للتبخير داخل حاويات مغلقة، أو رش مواد صناعية سامة من طائرات مسيّرة صغيرة.
سيناريو الهجوم المحدود
تشير المصادر إلى أن احتمال بدء الحوثيين بهجوم واسع النطاق ضئيل جدًا، لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو تنفيذ هجمات صغيرة التأثير، كبيرة الرمزية، مثل تلويث مناطق محدودة في ميناء أو استخدام عبوة ناسفة تحمل مادة خانقة على سفينة تجارية، ورغم بدائية هذه الأساليب، إلا أن تأثيرها الإعلامي والاقتصادي قد يكون ضخمًا، إذ قد يؤدي مجرد الاشتباه في حادث كيميائي إلى إغلاق ميناء بالكامل وإعلان حالة طوارئ دولية.
تحذر مصادر بحرية تحدثت لـ"العرب مباشر" من أن استهداف منشآت مرفئية أو سفن في البحر الأحمر قد يدفع شركات الشحن العالمية إلى تعليق المرور أو تحويل خطوطها، ما قد يرفع أسعار التأمين، ويُحدث اضطرابًا كبيرًا في سلاسل الإمداد.
وتشير المصادر إلى أن التأثير الاقتصادي قد يكون أكبر بكثير من التأثير العسكري، لأن الموانئ الإقليمية تعمل فوق طاقتها منذ بداية الأزمة في غزة والبحر الأحمر.
يرى خبراء، أن البحر يمثل ساحة مثالية لتنفيذ هجمات يصعب إثبات المسؤولية عنها، وهو ما قد يمنح الحوثيين مساحة للمناورة دون الاعتراف أو تحمل المسؤولية.
كما أن التحقيق في الهجمات الكيميائية البحرية يشكل تحديًا للدول والمنظمات الدولية، مما يزيد من تعقيد الردع.

العرب مباشر
الكلمات