بين الإدانة والتحذير.. خطة إسرائيل تفتح أبواب المجهول في القطاع
بين الإدانة والتحذير.. خطة إسرائيل تفتح أبواب المجهول في القطاع

في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ اندلاع الحرب على غزة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية خطة عسكرية للسيطرة الكاملة على مدينة غزة، في إجراء أثار عاصفة من التنديد الدولي وأشعل تحركات عاجلة في أروقة الأمم المتحدة، فبينما ترى تل أبيب أن العملية خطوة حاسمة لـ"هزيمة حماس"، تعتبرها الحركة الفلسطينية "جريمة حرب مكتملة الأركان" تهدد حياة نحو مليوني مدني وتفتح الباب أمام تهجير واسع النطاق، هذا التصعيد وضع مجلس الأمن الدولي في حالة استنفار، حيث تقرر عقد اجتماع طارئ الأحد لمناقشة تداعياته، وسط تحذيرات أممية من "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفي حين تبادر عواصم كبرى مثل برلين ولندن وبكين إلى الضغط لوقف الخطة، تبدو المواقف العربية والإسلامية أكثر حدة، محذرة من أن الخطوة الإسرائيلية تمثل تصفية للقضية الفلسطينية ونسفًا لمساعي التهدئة، ومع استمرار الانقسام الحاد حول المسار العسكري والدبلوماسي، تبقى غزة على خط الزلازل السياسي والإنساني.
مغامرة كارثية
أحدث الإعلان الإسرائيلي عن خطة السيطرة على مدينة غزة، صدمة سياسية على المستويين الإقليمي والدولي، وأعاد ملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إلى واجهة الأزمات الأكثر خطورة في العالم، فوفق الخطة التي أقرها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، تعتزم تل أبيب شن عملية عسكرية واسعة النطاق تنتهي بالسيطرة الكاملة على المدينة وإخلاء سكانها، بدعوى القضاء على البنية العسكرية لحركة حماس.
في أول رد، اعتبرت حركة حماس أن ما أقرته إسرائيل يمثل "جريمة حرب مكتملة الأركان" ويمثل استمرارًا لسياسات الإبادة والتطهير العرقي.
وأكدت الحركة أن تنفيذ الخطة سيكلف إسرائيل "أثمانًا باهظة" ولن يكون "نزهة عسكرية"، وذهبت أبعد من ذلك، معتبرة أن القرار يعكس استعداد الحكومة الإسرائيلية "للتضحية بالرهائن" المحتجزين في القطاع، في إشارة إلى غياب أي اعتبار للمخاطر التي تهدد حياتهم جراء تصعيد العمليات.
مواقف إقليمية وعالمية صارمة
الرئاسة الفلسطينية، من جهتها، سارعت إلى مطالبة الإدارة الأمريكية بالتدخل العاجل لوقف الغزو المرتقب، محذرة من أن احتلال غزة لن يجلب الأمن ولا الاستقرار.
وأعلنت عن تحرك فوري في مجلس الأمن، بالتوازي مع دعوات لاجتماعات طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية لتنسيق رد عربي–إسلامي موحد.
على المستوى الأوروبي، برز تحول مهم في الموقف الألماني، حيث أعلن المستشار فريدريش ميرتس وقف تصدير أي معدات عسكرية قد تستخدم في غزة، في خطوة غير مسبوقة من أحد أبرز داعمي إسرائيل.
بريطانيا بدورها وصفت الخطة الإسرائيلية بأنها "خطأ استراتيجي"، بينما استدعت بلجيكا السفيرة الإسرائيلية لديها احتجاجًا، وأبدت فنلندا والدنمارك قلقًا متزايدًا من تداعيات التصعيد.
مصر أدانت الخطة بأشد العبارات، واعتبرتها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، فيما شدد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على رفض بلاده القاطع للخطوة التي تهدد حل الدولتين.
تركيا طالبت المجتمع الدولي بوقف ما وصفته بـ"التهجير القسري"، بينما أكدت الصين أن غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، داعية إلى وقف التحركات الإسرائيلية فورًا، أما إسبانيا، فاعتبرت أن الخطة لا تعني سوى مزيد من الدمار، مجددة التأكيد على أن السلام لن يتحقق إلا بحل الدولتين.
في ضوء هذه التطورات، دعا عدد من الأعضاء في مجلس الأمن لعقد اجتماع طارئ الأحد، فيما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الخطة قد تفضي إلى نزوح قسري وقتل واسع النطاق، مؤكدًا أن الوضع الإنساني في غزة بلغ مستويات "لا يمكن تصورها"، هذا الاجتماع يأتي وسط تساؤلات حول قدرة المجلس على اتخاذ قرار ملزم، في ظل الانقسام التقليدي بين الدول الكبرى بشأن الصراع.
دوافع تل أبيب ومخاطر التصعيد
من منظور استراتيجي، يرى محللون أن إعلان السيطرة على غزة يعكس مسعى حكومة نتانياهو لإعادة فرض معادلات الردع بعد عامين من حرب استنزاف، لكنه في الوقت ذاته يفتح جبهة سياسية معقدة، حيث يمكن أن يدفع بعض الحلفاء الغربيين إلى إعادة النظر في دعمهم، كما أن العملية، إذا ما نُفذت، قد تؤدي إلى انهيار ما تبقى من مساعي التهدئة الإقليمية، خاصة مع تحذيرات العواصم العربية من تداعياتها على الأمن الإقليمي.
من جانبه، وجّه الدكتور محمد مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، انتقادات حادة لقرار رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، القاضي باحتلال قطاع غزة بالكامل، معتبرًا أن هذا القرار يمثل إعلان حرب صريح على الشرعية الدولية، ومحاولة يائسة لتصفية القضية الفلسطينية نهائيًا من خلال سياسة الإبادة الجماعية المنظمة.
وأوضح مهران - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن موافقة المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي على خطة السيطرة الكاملة على مدينة غزة تُعد تصعيدًا خطيرًا ينتهك جميع المواثيق والمعاهدات الدولية، مشيرًا إلى أن خطة نتنياهو لتهجير مليون فلسطيني إضافي من وسط غزة ومدينة غزة تحديدًا تشكل جريمة تطهير عرقي محرمة دوليًا، وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدًا أن الهدف من وراء ذلك هو تحويل غزة إلى سجن مفتوح تحت الاحتلال العسكري المباشر.
وشدّد أستاذ القانون الدولي على أن قرار الاحتلال الكامل يمثل انتهاكًا صارخًا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة ضد سلامة الأراضي، ولأحكام اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع إجراء أي تغييرات ديموغرافية في الأراضي المحتلة، فضلًا عن تعارضه مع قراري مجلس الأمن 242 و338 اللذين يؤكدان على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
كما حذّر مهران من أن إعلان نتنياهو نيته السيطرة على جميع مناطق غزة، بما في ذلك تلك التي يُعتقد بوجود رهائن فيها، يعرض حياة هؤلاء للخطر المباشر، ويقوض أي إمكانية لصفقة تبادل أسرى أو التوصل إلى اتفاق سياسي، ما يعكس النوايا الحقيقية للاحتلال في تصفية القضية الفلسطينية عبر الحل العسكري الأحادي.
وأشار إلى أن هذا القرار يمثّل تحديًا مباشرًا للمجتمع الدولي، خصوصًا في ظل تنامي الضغوط العالمية لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة لمنع المجاعة التي تهدد حياة أكثر من مليوني فلسطيني. وطالب برد دولي حازم يتضمن فرض عقوبات شاملة على إسرائيل، وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة، وإحالة قادتها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
مصير "غامض" للفلسطينيين
في السياق ذاته، حذر المحلل السياسي د. حسن مرهج، من أن قرار إسرائيل الساعي إلى فرض سيطرة كاملة على قطاع غزة يفتح الباب أمام جملة من التداعيات الإنسانية والسياسية الخطيرة.
وقال مرهج - في تصريحات لـ"العرب مباشر" - إن السيناريوهات المتوقعة تتراوح بين تهجير جماعي للسكان، وانهيار كلي للخدمات الأساسية، وتصاعد أعداد الضحايا المدنيين، بما ينذر بتفاقم كارثة اللاجئين على نحو لا يمكن احتواؤه محليًا أو إقليميًا، مع احتمالات لجوء المحاكم والمنظمات الدولية إلى ملاحقات قانونية لاحقة.
وصف مرهج مصير الفلسطينيين في حال تنفيذ الخطة بأنه سيبقى غامضًا، محملًا احتمالين مريرين: إما حكم عسكري مباشر يفرض قيودًا أمنية صارمة ويقنن حالة الاستثناء، أو إدارة مؤقتة تُدار بشروط أمنية خانقة تفرّغ أي أفق سياسي من مضمونه. وأضاف أن أي من هذين المسارين قد يشعل مقاومة جديدة أو يحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة تُرهق الطرفين.
ومن جهة استجابة الفصائل الفلسطينية، رجّح مرهج أن تتجه المجموعات إلى مزيج تكتيكي يجمع بين المقاومة المسلحة والدفاع الحضري كمائن في البيوت والأزقة واستهداف خطوط التزويد إضافة إلى حراك شعبي مدني، وهذه المعادلة، بحسبه، ستحول أي احتلال طويل إلى عبء سياسي وإنساني على المحتل، وتطيل أمد الاحتكاك وتمتص قدراته على الحلول السريعة.