لإنهاء الحرب.. اجتماع سري يسبق قمة آلاسكا لتوحيد المواقف قبل لقاء ترامب وبوتين
لإنهاء الحرب.. اجتماع سري يسبق قمة آلاسكا لتوحيد المواقف قبل لقاء ترامب وبوتين

قبل أيام قليلة من القمة المنتظرة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في آلاسكا، تتسارع التحركات الدبلوماسية في العواصم الغربية لرسم ملامح موقف موحد تجاه مستقبل الحرب الأوكرانية، فالمملكة المتحدة تستعد هذا الأسبوع لاستضافة اجتماع سري يضم مسؤولين رفيعي المستوى من واشنطن وكييف ودول أوروبية عدة، بهدف وضع خطوط تفاوضية مشتركة قبل لحظة الحسم، المعلومات المسربة من هذه اللقاءات تكشف أن موسكو قدّمت إشارات غير مسبوقة عن استعدادها لتقديم تنازلات في بعض الملفات الإقليمية، مقابل تثبيت سيطرتها على مناطق رئيسية شرقي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وفي المقابل، يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قيودًا دستورية ومعارضة شعبية لأي تنازل إقليمي، ومع الأجواء المشحونة والتكهنات المتضاربة، تتحول آلاسكا إلى مسرح لصفقة تاريخية محتملة، قد تعيد رسم حدود أوكرانيا وتضع أسس سلام هش أو صراع مؤجل.
مرونة بوتين
مع اقتراب موعد اللقاء المثير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، تتزايد المؤشرات على وجود مساعٍ حثيثة لتعبيد الطريق أمام اتفاق محتمل ينهي الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات في أوكرانيا.
وفي خطوة لافتة، دعت المملكة المتحدة هذا الأسبوع ممثلين بارزين من الولايات المتحدة وأوكرانيا ودول أوروبية عدة إلى اجتماع مغلق، يهدف إلى تنسيق المواقف قبل أن يجلس الزعيمان وجهاً لوجه في آلاسكا.
وبحسب ما نقل موقع "أكسيوس" عن مصادر مطلعة، فإن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، أبلغ المشاركين بأن موسكو أبدت استعدادها لإنهاء القتال إذا وافقت كييف على الاعتراف بالسيطرة الروسية على منطقتي لوغانسك ودونيتسك، إضافة إلى القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014.
وتضيف المصادر أن بوتين قد أبدى مرونة أكبر هذه المرة، ملمحًا إلى إمكانية التراجع عن المطالبة بمنطقتي خيرسون وزابوريجيا، اللتين تسيطر قواته على أجزاء منهما، وهو ما يُعد تحولًا كبيرًا مقارنة بالمواقف الروسية السابقة.
جدار القانون الأوكراني
لكن هذه الإشارات، رغم أهميتها، تصطدم بجدار القانون الأوكراني الذي يحظر التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية إلا عبر استفتاء شعبي، ما يعني أن أي اتفاق لن يكون قابلًا للتنفيذ دون موافقة الرأي العام الأوكراني.
وهذا بدوره يضع الرئيس فولوديمير زيلينسكي أمام معادلة سياسية صعبة: بين متطلبات السلام وضغوط الحلفاء الغربيين، وبين الالتزام بالدستور ورفض الشارع لأي تنازلات تمس السيادة.
تحفظ أوكراني
على الجانب الروسي، جاء اختيار آلاسكا كموقع للقمة ليحمل رمزية جغرافية وسياسية واضحة، فالمسؤول في الكرملين، يوري أوشاكوف، وصف المكان بأنه "منطقي تمامًا"، مشيرًا إلى القرب الجغرافي عبر مضيق بيرينغ الذي يفصل بين البلدين.
وتروج موسكو لهذه القمة باعتبارها فرصة لإعادة ضبط العلاقات مع واشنطن وإيجاد صيغة سلام طويلة الأمد، بينما تأمل إدارة ترامب أن تحقق اختراقًا دبلوماسيًا يرسخ صورة الرئيس كمفاوض قادر على إنهاء الحروب.
وفي موازاة ذلك، ذكرت وكالة "بلومبرغ" أن مفاوضات غير معلنة تجري بين واشنطن وموسكو حول صيغة اتفاق يضمن تثبيت سيطرة روسيا على الأراضي التي استولت عليها منذ اندلاع العملية العسكرية في فبراير 2022.
وأفادت بأن الفكرة المطروحة تتضمن "تبادل أراضٍ" كجزء من التسوية، وهو ما ألمح إليه ترامب علنًا، معتبرًا أن ذلك قد يحسّن "الوضع لكلا الطرفين".
ورغم تحفظ كييف على هذه الطروحات، فإن بيانًا للرئيس زيلينسكي أكد أن أوكرانيا تدعم أي خطوات بنّاءة نحو وقف إطلاق النار، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة أن يكون السلام "دائمًا ويمكن التعويل عليه"، في إشارة إلى رفض أي اتفاق هش يُعيد الصراع إلى نقطة الصفر.
لحظة مفصلية
من جانبه، يرى د. طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، أن قمة آلاسكا بين الرئيسين ترامب وبوتين تمثل لحظة مفصلية في مسار الحرب الأوكرانية، ليس فقط لأنها قد تفضي إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار، بل لأنها ستعيد صياغة موازين القوى في أوروبا الشرقية.
ويُؤكد في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن أي تنازلات روسية، حتى لو بدت كبيرة مقارنة بالمواقف السابقة، يجب قراءتها في إطار حسابات موسكو الاستراتيجية، التي تسعى لتثبيت مكاسبها الإقليمية عبر اعتراف دولي، مع الاحتفاظ بقدرة التأثير في مستقبل أوكرانيا السياسي والاقتصادي.
ويُشير فهمي إلى أن واشنطن، في عهد ترامب، تبحث عن إنجاز دبلوماسي سريع يبرهن على فاعلية مقاربة "الصفقات"، بينما يدرك الكرملين أن اللحظة الحالية مواتية لفرض شروطه في ظل إرهاق الغرب من استمرار النزاع.
أما كييف، فهي عالقة بين ضغط الحلفاء ورفض الشارع لأي تفريط في الأراضي، ما يجعل المفاوضات معقدة ومحفوفة بالمخاطر.
ويختتم فهمي بأن نجاح القمة يتوقف على قدرة الأطراف على صياغة اتفاق يُوازن بين الاعتبارات السيادية والواقعية السياسية، وأن الفشل قد يُعيد الصراع إلى نقطة أكثر خطورة، ويضع أوروبا أمام شتاء جديد من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي.