الشتاء وبيروت.. كيف يحل كارثة على اللبنانيين؟

الشتاء وبيروت.. كيف يحل كارثة على اللبنانيين؟
صورة أرشيفية

منذ حادث انفجار مرفأ بيروت وتعيش لبنان أزمات متتالية بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة من جهة والانفجار الهائل الذي أسقط قتلى وجرحى في كل مكان وشرد الآلاف دون مأوى في ظل شتاء شديد الصعوبة بما يحمله من رعب الموجة الثانية لتفشي وباء "كورونا" فيواجهه المتضررون في العراء لا ملجأ لهم إلا بيوت أقاربهم إن وجدت، أما المباني الأكثر تضررًا في بيروت فهي للأسف الشديد المباني الأثرية التي تحمل تراث سويسرا الشرق، والتي تضررت بشدة بعد الانفجار لتزداد أوضاعها تأزمًا بعد هطول الأمطار الكثيفة خلال الأيام الماضية.

تحتاج لـ 300 مليون دولار لإعادة ترميمها.. أمطار الشتاء تهدد "تراث بيروت"


ومع بداية الشتاء وهطول الأمطار بكثافة والتي تسببت في أضرار هائلة للمباني الأثرية في بيروت التي تضررت بالفعل من الانفجار فجاءت الأمطار لتزيد الطين بلة، فمعظم المباني الأثرية التي كانت مقصدًا أساسيًا للسياح ولسكن بيروت انهارت أسقفها بالكامل بعد هطول الأمطار بغزارة طوال الأسبوع الماضي في بيروت.


حيث تسبب انفجار المرفأ المروع بأضرار في نحو 70 ألف وحدة سكنية، وأتى على تاريخ عريق حافظت عليه أبنية تراثية بجدرانها المزخرفة ونوافذها الملونة وقناطرها العالية قبل أن تتحول مجرد واجهات تخترقها فجوات ضخمة.


وبات 90 مبنى أثريًا مهددًا بالانهيار اليوم مع بدء موسم الأمطار، وفق ما قال وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال "عباس مرتضى"، وهو الأمر التي حسمه المدير العام للآثار "سركيس خوري" بعد أن أكد أن 90% من المباني الأثرية في بيروت تضررت بشدة وتحتاج لمبالغ هائلة تتجاوز الـ 300 مليون دولار لإعادة ترميمها والحفاظ على تراث بيروت.


وقدّم خوري، تقييماً أولياً للأضرار التي لحقت بالمؤسسات الثقافية والمواقع التراثية في المدينة، مشيرًا إلى تضرر ما لا يقل عن 8000 مبنى، يقع الكثير منها في الأحياء القديمة في الجميزة ومار ميخائيل، ويشمل هذا العدد قرابة 650 مبنى تاريخيًا، من بينها 60 مبنى يحدق بها خطر الانهيار. 


وتطرق أيضًا إلى تأثير الانفجار في المتاحف الكبرى، مثل المتحف الوطني في بيروت، ومتحف "سرسق"، والمتحف الأثري بالجامعة الأميركية في بيروت، بالإضافة لعشرات من المنابر الثقافية وصالات العروض الفنية، والمواقع الدينية.


ورغم تقديم التحالف الدولي لحماية التراث خمسة ملايين دولار للبنان لمساعدته على ترميم بعض المعالم التراثية في بيروت إلا أن المبلغ كان شديد الضآلة ولا يمكنه إنقاذ أكثر من 650 مبنى مدرجًا على قائمة التراث في بيروت، فتلك الآثار أصابها الضرر، واشترك الإهمال والأزمات الاقتصادية وبطء التحرك في وصول المباني الأثرية لحالة من التضرر غير قابلة للإنقاذ.

أهالي بيروت: ماضينا يتآكل وحاضرنا مدمر ومستقبلنا شديد الغمو
يقول، "فايز وائل"، 44 عامًا، لبناني: نحن نخسر تاريخنا وحياتنا الماضية بأكملها بسبب سلسلة طويلة من إهمال المسؤولين، ورغم حزننا الشديد على فقداننا لمنازلنا إلا أن فقدان معظم المباني الأثرية التي شهدت مولدنا ومولد آبائنا كان له وقع أكثر حزنًا في قلوبنا من انهيار منازلنا نفسها.


وأضاف "وائل"، نعيش صدمة ونشعر أن بلادنا تنهار فتراثنا وتراث آبائنا وأجدادنا يتفتت أمام أعيننا ولا نستطيع فعل شيء للحفاظ عليه، الآن لبنان بالكامل تدفع ثمن إهمال مسؤوليها وصمت شعبها على الفساد حتى أصبح يأكل ماضينا ويدمر حاضرنا ويهدد مستقبلنا ومستقبل أطفالنا الذي أصبح شديد الغموض.

الانفجار والأزمة الاقتصادية شركاء في تفاقم أزمة فقداننا لمعظم المباني التراثية


في السياق ذاته، يقول "هاني حيدر"، 49 عامًا، مهندس معماري متطوع في جهود الترميم داخل بيروت، بالطبع الانفجار الهائل هو أصل الكارثة ولكن الشتاء جاء قاسيًا ولم يرحمنا، فالأمطار تسببت في فجوات ضخمة في أسقف معظم المباني الأثرية في بيروت التي تعرضت بالفعل لانهيار جزئي من قبل.


وأضاف، الأزمة الاقتصادية الطاحنة كذلك عامل لا يمكن إغفاله، فلو تحرك مهندسو وعمال الترميم إلى تلك المباني بعد وقوع الانفجار بأسرع وقت لكان أمكننا إنقاذ العديد من تلك المباني وكنا استطعنا ترميم المباني وحمايتها قبل هطول الأمطار، أما الآن فليس أمامنا سوى محاولة إنقاذ تلك المباني الأثرية بشكل جزئي فما فقدته لا يمكن تعويضه.


وطالب "حيدر"، بضرورة تكاتف المسؤولين والقوى الناعمة وكافة أطياف الشعب لتعزيز البنية الهيكلية للمدينة بالكامل، مشددًا على ضرورة مضاعفة إجراءات العزل المائي اللازمة لمنع وقوع المزيد من الأضرار خاصة مع هطول الأمطار بكثافة وتأكيد خبراء الطقس أن تلك الأمطار ما هي إلا بداية.