لماذا عيّن خامنئي لاريجاني في مجلس الأمن القومي؟.. دلالات القرار والتوقيت
لماذا عيّن خامنئي لاريجاني في مجلس الأمن القومي؟.. دلالات القرار والتوقيت

أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، مرسومًا رسميًا بتعيين السياسي المخضرم علي لاريجاني ممثلًا له في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وهو القرار الذي أثار اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية الإيرانية والإقليمية، بالنظر إلى توقيته ودلالاته، وكذلك لطبيعة الشخصية التي يشملها القرار.
من هو علي لاريجاني؟
علي لاريجاني يُعد واحدًا من أعمدة النظام الإيراني منذ ما بعد الثورة عام 1979، وهو من الشخصيات التي جمعت بين خلفيات فكرية، وأمنية، وسياسية. تخرّج من جامعة شريف الصناعية، ودرس الفلسفة الغربية، قبل أن ينتقل إلى عالم الإدارة والسياسة، حيث تبوأ عدة مناصب حساسة، من بينها:
رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني)، بين 2008 و2020.
أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، بين 2005 و2007.
كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين في أصعب مراحل التفاوض مع الغرب.
وزير الإعلام والثقافة سابقًا.
رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني (صدا وسيما) لمدة 10 سنوات.
وإلى جانب خلفيته التقنية والفكرية، ينتمي لاريجاني إلى عائلة مؤثرة في المؤسسة الدينية والسياسية، إذ أن أشقاءه يحتلون مناصب حساسة، أبرزهم صادق لاريجاني، الرئيس السابق للسلطة القضائية، وأحد أعضاء مجلس صيانة الدستور.
توقيت القرار ودلالاته
يأتي هذا التعيين في مرحلة دقيقة تشهد فيها إيران تغييرات جوهرية في هرم السلطة، إثر وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، وتولي محمد باقر قاليباف منصب الرئاسة، وسط تصاعد التجاذبات بين التيارات المحافظة المختلفة، وتفاقم التحديات الخارجية خصوصًا على الصعيد النووي والإقليمي، ويمثّل قرار خامنئي إعادة لاريجاني إلى الواجهة من بوابة الأمن القومي رسالة مزدوجة:
أولًا، باتجاه الداخل الإيراني، في محاولة لإعادة التوازن بين التيارات المختلفة داخل النظام، ولا سيما عبر استدعاء شخصية ذات قبول نسبي بين الأجنحة المتنافسة.
وثانيًا، للخارج، حيث يتمتع لاريجاني بخبرة تفاوضية وسياسية تؤهله للعب دور محوري في ملفات مثل النووي والعلاقات الإقليمية.
كما أن المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يُعدّ أحد أبرز مؤسسات صنع القرار في البلاد، هو المنصة التي تُحسم عبرها القضايا الأمنية والعسكرية والدبلوماسية الكبرى، ومن ثم فإن تمثيل المرشد الأعلى فيه يُعتبر موقعًا استراتيجيًا.
هل يعود لاريجاني إلى واجهة المشهد؟
رغم غيابه النسبي عن المشهد التنفيذي خلال السنوات الأخيرة، ظل اسم لاريجاني يُطرح في كواليس السلطة، وبرز اسمه كمحتمل للترشح في الانتخابات الرئاسية السابقة، غير أنه استُبعد بقرار من مجلس صيانة الدستور، في خطوة فُسّرت آنذاك بأنها جزء من الصراع بين الحرس القديم والتيار المحافظ المتشدد.
لكن يبدو أن الأحداث الأخيرة دفعت المرشد الأعلى إلى إعادة تفعيل أدوار رجال الخبرة السياسية من أمثال لاريجاني، في مواجهة الضغوط المتراكمة، سواء ما يتعلق بالملف النووي، أو الضغوط الاقتصادية، أو التحديات الجيوسياسية، من العراق وسوريا إلى لبنان واليمن.
قراءة في المشهد الإيراني
قرار تعيين علي لاريجاني ممثلًا للمرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي ليس تفصيلًا إداريًا، بل هو مؤشر على تحوّل أعمق في بنية السلطة الإيرانية، ومحاولة لإعادة تدوير الشخصيات ذات الخبرة في لحظة فارقة من عمر النظام، وسط تصاعد التهديدات واهتزاز التوازنات الداخلية.
ومن المتوقع، أن تُحدث هذه الخطوة تحولًا تدريجيًا في آلية اتخاذ القرار الأمني والسياسي، وربما تُمهّد لمزيد من الانفتاح في بعض الملفات الشائكة، أو على الأقل لمقاربات أكثر مرونة، تحت إشراف أحد أكثر صقور النظام انفتاحًا وحنكة.