قوارب الغضب.. عائلات الرهائن تبحر نحو غزة.. احتجاجات عائمة تهز القرار السياسي الإسرائيلي
قوارب الغضب.. عائلات الرهائن تبحر نحو غزة.. احتجاجات عائمة تهز القرار السياسي الإسرائيلي

في مشهد غير مألوف يحمل مزيجًا من الألم والتحدي، انطلقت قافلة بحرية من ميناء عسقلان باتجاه شواطئ قطاع غزة، وعلى متنها عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس منذ أكتوبر 2023، لم تكن الرحلة سياحية، بل احتجاجية – صيحة غاضبة وسط أمواج البحر ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية، التي يراها هؤلاء الآباء والأمهات متقاعسة ومغامرة بأرواح أحبائهم، تتزامن هذه الخطوة الرمزية مع تصاعد الحديث عن عملية عسكرية كاسحة في غزة، وهو ما يزيد من مخاوف ذوي الأسرى من أن تتحول الحرب إلى حكم إعدام جماعي بحق أبنائهم.
وبينما تستعد حكومة بنيامين نتنياهو لاتخاذ قرار مصيري بشأن توسيع العمليات، تشتد الضغوط من الداخل والخارج، ويعلو صوت الأسر، حاملًا رسالة بسيطة لكنها ثقيلة المعنى: لا نريد نصرًا يُبنى على جثث أحبائنا.
*مصير مجهول*
بأعلام صفراء ترفرف في مهب الريح ولافتات تحمل وجوه رهائن تائهين في غياهب الصراع، أبحرت قافلة بحرية من عشرات القوارب من عسقلان، في السابع من أغسطس، في اتجاه سواحل غزة.
القوارب لم تكن تحمل جنودًا أو سلاحًا، بل عائلات غاضبة أرادوا أن يجعلوا من البحر منصة احتجاج مفتوحة، وأملًا عائمًا بالوصول، ولو رمزيًا، إلى أحبائهم المختطفين.
هذه الخطوة الاستثنائية التي نظمها أقارب الرهائن جاءت بعد شهور من الاحتجاجات البرية والمناشدات المتكررة للحكومة الإسرائيلية بالإسراع في التوصل إلى صفقة تبادل، دون جدوى.
ومع تصاعد الحديث عن توجه نتنياهو نحو احتلال كامل للقطاع، ازدادت مخاوف هذه العائلات من أن يكون مصير أبنائهم التصفية خلال المعارك.
رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: "العودة الآن"، "أنقذوا الرهائن قبل فوات الأوان"، و"نرفض نصرًا على جثث أحبتنا".
كما تعالت الهتافات بأسماء الأسرى وسط مشهد أثار تعاطفًا واسعًا في الداخل الإسرائيلي، واهتمامًا دوليًا نادرًا، خاصة وأن الحدث تزامن مع اجتماعات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى في تل أبيب.
*رسائل مباشرة إلى نتنياهو: "كفى تلاعبًا"*
الرسائل التي وجهها منظمو القافلة كانت قاطعة في لغتها ومباشرة في اتهاماتها، ففي بيان صادر قبيل الإبحار، جاء أن "الحكومة التي تفضل اجتياح غزة على إنقاذ الرهائن، لا تمثلنا"، وأضافوا: "نريد قرارًا شجاعًا، لا مقامرات دموية".
أحد أبرز الأصوات في هذا التحرك كان والد الرهينة نمرود كوهين، الذي اتهم نتنياهو بـ "التهرب من اتخاذ قرارات جريئة"، معتبرًا أن رئيس الحكومة "يبحث عن نصر إعلامي ولو على حساب حياة الرهائن".
وأضاف: في تصريحات لـ"وكالة الأنباء الفرنسية"، الجيش مطالب الآن، أكثر من أي وقت مضى، بعملية دقيقة لإنقاذهم، لا حرب شاملة تهددهم".
أما عيناف زانغاوكر، والدة الرهينة ماتان، فكان صوتها مملوءًا بالمرارة حين قالت: "كذب علينا مرارًا، استغل وجعنا، والآن يريدنا أن نصمت بينما يسوق أبناءنا إلى المقصلة"، كلماتها تحولت إلى عنوان عريض في وسائل الإعلام العبرية التي غطت الحدث بشكل واسع.
* 80 % من الإسرائيليين يريدون الصفقة*
أبرز ما حملته القافلة البحرية، إلى جانب الشعارات والصور، هو استطلاع للرأي أعدته لجنة عائلات الرهائن أظهر أن 80% من الإسرائيليين يفضلون صفقة تنهي الحرب وتعيد الرهائن على أي خيار عسكري آخر، في رسالة مباشرة إلى نتنياهو بأن الشعب لا يقف خلفه في هذا الخيار المتفجر.
البيان المشترك للأهالي أكد، أن "أي قرار يعاكس إرادة الأغلبية يُعد خيانة"، ودعا إلى "تجميد كل العمليات العسكرية حتى إنجاز صفقة التبادل".
*الكابينت يجتمع.. والقرارات على المحك*
جاء هذا التصعيد الشعبي قبل ساعات من انعقاد اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) في مكتب نتنياهو، والذي وصفته مصادر إعلامية بـ "الحاسم"، حيث تبحث الحكومة احتمال توسيع الحملة العسكرية باتجاه احتلال غزة بالكامل، استنادًا إلى توصيات الجيش.
لكن وفق تسريبات صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، حذّر خلال اجتماع مطوّل من أن أي تصعيد قد يُعرّض حياة الرهائن للخطر الفوري، مؤكدًا أن العمل العسكري الموسع يجب أن يكون مدروسًا بدقة فائقة.
من جهته، قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي: إن الرئيس ترامب يدعم "حق إسرائيل في اتخاذ قرارات سيادية للدفاع عن شعبها"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن "المرحلة المقبلة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحسم العسكري والاعتبارات الإنسانية".
*فجوة بين القيادة السياسية والرأي العام*
يرى د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تحرك عائلات الرهائن الإسرائيليين عبر قافلة بحرية نحو غزة يمثل تحولًا مهمًا في طبيعة الضغط الشعبي داخل إسرائيل، ويكشف عن تعمق الفجوة بين القيادة السياسية والرأي العام.
ويقول: "ما حدث في السابع من أغسطس لم يكن مجرد تعبير رمزي عن الغضب، بل رسالة استراتيجية موجهة إلى نتنياهو مفادها أن الرأي العام لم يعد يحتمل سياسات المكابرة".
ويضيف في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن الحكومة الإسرائيلية تجد نفسها الآن في مأزق ثلاثي الأبعاد: داخلي يتعلّق بضغط أهالي الرهائن، وإقليمي يتعلق بالتصعيد في غزة، ودولي يتمثل في تعقّد المشهد الإنساني واهتمام الدول الكبرى بمصير الرهائن.
ويؤكد، أن "أي قرار بالتصعيد العسكري سيُقرأ في الخارج كخطوة متهورة تُعرّض حياة المدنيين للخطر، وقد يؤثر على الدعم الدولي لإسرائيل، حتى من أقرب الحلفاء".
ويرجح فهمي، أن تتجه إسرائيل، ولو مؤقتًا، نحو خيار الصفقة بدلًا من الاحتلال الكامل، مشيرًا أن "التكلفة السياسية لاستمرار الحرب باتت أعلى من كلفتها العسكرية، خاصة مع ارتفاع أصوات الداخل بهذا الشكل العلني والمباشر".