طرابلس بين الرصاص والتحذيرات.. هل يوقف الحوار دوامة العنف؟
طرابلس بين الرصاص والتحذيرات.. هل يوقف الحوار دوامة العنف؟

تعيش العاصمة الليبية طرابلس هذه الأيام على وقع قلق متزايد، بعدما تصاعدت أصوات الرصاص وظهرت تحركات عسكرية أثارت مخاوف السكان من عودة شبح المواجهات المسلحة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، حاول تهدئة الأجواء بإطلاق تحذيرات مباشرة من الانزلاق إلى العنف، مؤكدًا أن الحوار السياسي هو السبيل الوحيد لتفادي الفوضى وحماية أمن العاصمة، وبينما شدد على أن سلامة طرابلس وسكانها "أولوية قصوى"، فإن التطورات الميدانية حملت إشارات مقلقة، من دوي إطلاق النار في أحياء جنوبية إلى تحركات أرتال عسكرية نحو أطراف المدينة.
البعثة الأممية لم تتأخر في دق ناقوس الخطر، محذّرة من أن التعبئة المستمرة قد تشعل مواجهة جديدة في بلد لم يكد يتعافى من دوامة النزاعات المتكررة، وبين تطمينات الحكومة وتحذيرات المجتمع الدولي، يقف الليبيون أمام سؤال حاسم، هل تحسم الأزمة بالحوار، أم تنزلق العاصمة مرة أخرى إلى فوضى السلاح؟
تصاعد التوتر في شوارع طرابلس
ليلة الاثنين وصباح الثلاثاء، تحولت طرابلس إلى مسرح قلق حقيقي، أصوات إطلاق نار متقطع سُمعت في مناطق عدة، أبرزها حي السدرة جنوب العاصمة، فيما رُصدت ناقلات عسكرية تحمل دبابات وهي تغادر معسكر التكبالي باتجاه قصر بن غشير.
ولم تقتصر التحركات على العاصمة وحدها، بل امتدت إلى مدن قريبة مثل زليتن والخمس وترهونة، في مؤشر على أن التوتر قد يكون أوسع من مجرد حادث محلي.
هذا المشهد الميداني دفع سكان العاصمة إلى ملازمة منازلهم وسط شائعات عن احتمال اندلاع مواجهات بين تشكيلات مسلحة متنافسة، خاصة في ظل غياب سلطة أمنية موحّدة قادرة على فرض النظام.
رسالة الدبيبة: الاستقرار أولوية
في مواجهة هذه التطورات، خرج رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة برسالة سياسية صريحة، دعا فيها جميع الأطراف إلى "تجنب التصعيد والالتزام بالحوار السياسي كخيار وحيد لحل الخلافات".
وأضاف: أن "مصلحة الشعب الليبي لن تتحقق إلا عبر الاستقرار والابتعاد عن دوامة العنف"، محذرًا من أن استهداف المؤسسات العامة والمرافق الحيوية سيُعرّض حياة المواطنين للخطر المباشر.
وأكد الدبيبة التزام حكومته "بحماية المدنيين والحفاظ على النظام العام"، في محاولة لطمأنة سكان العاصمة وإرسال رسالة إلى الفصائل المسلحة مفادها أن أي تحرك خارج إطار الدولة سيُواجَه بالرفض.
تحذير أممي عاجل
البعثة الأممية في ليبيا أصدرت بيانًا أعربت فيه عن "انزعاجها البالغ" من تقارير التعبئة العسكرية الجارية في طرابلس وضواحيها، محذرة من أن استمرار هذه التحركات قد يقود إلى اندلاع مواجهات مسلحة.
وأكدت، أن أي تصعيد جديد سيقوّض الجهود السياسية الرامية إلى إنهاء المرحلة الانتقالية والوصول إلى انتخابات طال انتظارها.
وتأتي هذه المخاوف في سياق هش للغاية، إذ لم يمضِ وقت طويل منذ اشتباكات أغسطس 2023 التي أودت بحياة العشرات في العاصمة وأثارت موجة نزوح داخلية.
جذور الأزمة الليبية
الصراع في طرابلس ليس حدثًا معزولًا، بل انعكاس مباشر للأزمة البنيوية التي تعيشها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، الانقسام المؤسسي بين حكومتين متنافستين – واحدة في طرابلس بقيادة الدبيبة وأخرى في الشرق برئاسة أسامة حماد – خلق فراغًا أمنيًا تستغله مجموعات مسلحة متعددة الولاءات.
ورغم جهود الوساطة الدولية من الأمم المتحدة ودول الجوار، ما يزال ملف توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية عالقًا، ما يجعل العاصمة عرضة للتوترات كلما تصاعدت الخلافات السياسية أو اشتد الصراع على الموارد والنفوذ.
أزمة الانقسام المؤسسي
من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي، أن ما يجري في طرابلس اليوم ليس مجرد توتر أمني عابر، بل هو انعكاس مباشر لفشل المسار السياسي في تحقيق اختراق حقيقي خلال السنوات الماضية.
ويشير العبدلي إلى أن العاصمة، بحكم كونها مركز السلطة والقرار، تتحول تلقائيًا إلى ساحة اختبار للقوى المسلحة المتنازعة على النفوذ، خصوصًا في ظل غياب مؤسسة عسكرية موحّدة قادرة على فرض الانضباط.
ويؤكد في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تصريحات الدبيبة الأخيرة، رغم أهميتها الرمزية، تبقى محدودة التأثير ما لم تترافق مع خطوات عملية لضبط السلاح غير الشرعي وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية على أسس مهنية بعيدًا عن الولاءات الفصائلية، فالمعضلة الأساسية، بحسب العبدلي، تكمن في أن كل طرف مسلح يرى نفسه "ضامنًا للاستقرار" لكنه في الواقع يزيد من هشاشة الوضع كلما تحرك منفردًا.
كما حذر العبدلي من أن استمرار الانقسام المؤسسي بين حكومتي طرابلس وبنغازي يوفر بيئة خصبة لتأجيج الصراع، إذ تستغل بعض الأطراف هذا الانقسام لتوسيع نفوذها على حساب المصلحة الوطنية.
ويرى، أن المجتمع الدولي أمام اختبار جدي، فإما أن يضغط بجدية لدفع الليبيين إلى طاولة حوار شامل يفضي إلى انتخابات، أو أن العاصمة قد تجد نفسها مرة أخرى في أتون معركة مدمرة، يدفع ثمنها المواطن البسيط.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
المراقبون يرون أن مستقبل الأزمة في طرابلس مرتبط بعدة عوامل أساسية، أبرزها قدرة الحكومة على ضبط التشكيلات المسلحة، ومنعها من الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
إضافة إلى دور الأمم المتحدة والدول الفاعلة، في ممارسة ضغط سياسي لاحتواء التوتر ودفع الأطراف نحو طاولة الحوار.
وكذلك الاستجابة الشعبية، حيث يزداد غضب المواطنين من تدهور الأوضاع المعيشية، ما قد يضعف شرعية أي طرف يتورط في إشعال مواجهات جديدة.
وبينما يؤكد الدبيبة التزامه بالحوار، تبقى المخاوف حاضرة من أن أي شرارة صغيرة قد تشعل مواجهة يصعب السيطرة عليها في ظل هشاشة الوضع الأمني.