الشارع الليبي يغلي.. احتجاجات واسعة ضد المهاجرين غير النظاميين
الشارع الليبي يغلي.. احتجاجات واسعة ضد المهاجرين غير النظاميين

في مشهد يعكس احتقانًا اجتماعيًا متصاعدًا، شهدت عدة مدن ليبية تظاهرات حاشدة ضد الوجود الكثيف للمهاجرين غير النظاميين، وسط دعوات حادة لترحيلهم فورًا إلى بلدانهم.
رفع المتظاهرون في طرابلس ومصراتة شعارات تعكس خوفهم من تحوّل ليبيا إلى ساحة استقرار دائم لهؤلاء المهاجرين، وليس مجرد محطة عبور إلى أوروبا، ومع اتساع ظاهرة الأسواق العشوائية والتجمعات غير المنظمة، بدأ القلق الشعبي يتجاوز البعد الاقتصادي إلى مسألة الهوية الوطنية وتركيبة المجتمع.
تأتي هذه التطورات بينما تكافح السلطات الليبية بين ضغوط داخلية تدعو لحسم الملف، وضغوط دولية تحث على احترام حقوق الإنسان وتوفير حلول إنسانية متوازنة، هذه الموجة الشعبية ليست معزولة، بل هي جزء من معركة أوسع تخوضها ليبيا لإيجاد صيغة تتعامل بها مع أزمة الهجرة المزمنة، في بلد يعاني أصلاً من هشاشة أمنية واقتصادية منذ أكثر من عقد.
ثلث سكان البلاد
تشهد ليبيا منذ أيام حراكًا شعبيًا لافتًا ضد الوجود المتزايد للمهاجرين غير النظاميين الذين يقدّر عددهم وفق وزارة الداخلية بنحو 2.5 مليون شخص، أي ما يقارب ثلث سكان البلاد تقريبًا، ما يجعل الملف أحد أعقد القضايا الاجتماعية والأمنية في المرحلة الراهنة.
في طرابلس، احتشد مئات المتظاهرين في ميدان الشهداء، وهو القلب الرمزي للعاصمة، مرددين شعارات مثل: "ليبيا لليبيين" و"لا لتوطين المهاجرين"، في رسالة مباشرة للسلطات بضرورة تبني إجراءات صارمة تتجاوز الحلول المؤقتة.
وفي مصراتة، اكتسب المشهد زخمًا أكبر مع إقدام بعض المحتجين على تدمير سوق عشوائي يقيم فيه مهاجرون أفارقة، معتبرين أن هذه الأسواق تحولت إلى بؤر للجريمة والتهريب وانتشار السلاح، وهو ما يعمّق من حالة التوتر بين السكان والمهاجرين.
وتأتي هذه التحركات وسط أجواء أمنية مضطربة في بعض المدن، كان أبرزها مدينة الزاوية التي شهدت مؤخرًا اشتباكات مسلحة قبل أن يعود إليها الهدوء، وهو ما دفع مراقبين إلى التحذير من أن استمرار تفاقم أزمة الهجرة قد يشعل فتيل مواجهات جديدة، خاصة في المناطق الغربية التي تمثل المعبر الرئيسي للمهاجرين نحو البحر المتوسط.
تناقض وعبء اقتصادي
البعد الدولي للأزمة يضيف تعقيدًا آخر، إذ تتعرض ليبيا لضغوط من الاتحاد الأوروبي للحد من موجات الهجرة، بينما تدعو منظمات حقوقية دولية إلى تحسين أوضاع المهاجرين في مراكز الاحتجاز وعدم ترحيلهم قسريًا إلى دولهم الأصلية حيث قد يواجهون خطر الاضطهاد أو الموت.
هذا التناقض بين المطالب يزيد من مأزق الحكومة الليبية التي تجد نفسها بين سندان الشارع المحلي ومطرقة المجتمع الدولي.
من الناحية الاقتصادية، يرى خبراء أن وجود هذا العدد الضخم من المهاجرين يشكل عبئًا على البنية التحتية الهشة أصلاً، خصوصاً في ظل غياب تسجيل رسمي يضمن مساهمتهم في دفع الضرائب أو فواتير الخدمات العامة، وهو ما يفاقم الضغط على شبكات الكهرباء والمياه والنقل، ويخلق حالة من التنافس على فرص العمل في السوق المحلي، ما يزيد من الاحتقان الاجتماعي.
ويرى محللون، أن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمات سنوات من الفوضى بعد 2011، حين تحولت ليبيا إلى نقطة عبور رئيسية للمهاجرين نحو أوروبا، قبل أن تتطور تدريجياً إلى محطة استقرار قسري لآلاف العالقين بسبب إغلاق الحدود البحرية وتشديد الرقابة الأوروبية.
ومع مرور الوقت، نشأت مجتمعات كاملة داخل المدن الليبية، الأمر الذي جعل القضية تتحول من مجرد تحدٍ أمني إلى معضلة ديموغرافية تهدد التوازن الاجتماعي في البلاد.
في هذا السياق، دعا عدد من الخبراء السياسيين إلى صياغة استراتيجية وطنية متكاملة تتعامل مع الأزمة من منظور أمني واقتصادي وإنساني في آن واحد، هذه الاستراتيجية، بحسب تصورهم، يجب أن تشمل تعزيز الرقابة على الحدود، وإعادة تنظيم أسواق العمل، والتفاوض مع دول المصدر لإعادة استقبال مواطنيها، بالتوازي مع حملات توعية للشارع الليبي للحد من خطاب الكراهية والعنف.
من جانبه، يقول المحلل السياسي الليبي، عمر أبو سعيد: إن ما يحدث في ليبيا اليوم يشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على إدارة واحدة من أعقد أزمات ما بعد 2011.
ويرى، أن على الحكومة الليبية أن تتبنى مقاربة شاملة لا تقتصر على الحل الأمني أو عمليات الترحيل فقط، بل تشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية، من خلال استيعاب جزء من المهاجرين في قطاعات العمل التي تعاني نقصًا في اليد العاملة، مقابل ضبط الأسواق العشوائية وإزالة التجمعات غير القانونية.
كما شدد أبو سعيدة في حديثه لـ"العرب مباشر"، على ضرورة الحوار مع الشركاء الدوليين لوضع آلية عادلة لتوزيع عبء استضافة المهاجرين، بحيث لا تتحمل ليبيا وحدها هذا الملف المعقد، خاصة في ظل هشاشة بنيتها التحتية واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي.