خلال 2025.. كيف انهارت منظومات التمويل والتأثير التابعة للإخوان في أوروبا؟

خلال 2025.. كيف انهارت منظومات التمويل والتأثير التابعة للإخوان في أوروبا؟

خلال 2025.. كيف انهارت منظومات التمويل والتأثير التابعة للإخوان في أوروبا؟
اوروبا

شهدت أوروبا خلال عام 2025 تحوّلًا مفصليًا في تعاملها مع جماعة الإخوان وشبكات الإسلام السياسي، حيث انتقلت السياسات من الاكتفاء بالمراقبة والتحذير إلى نهج أكثر صرامة يعتمد على التفكيك القانوني والملاحقات القضائية.

 وكشف مصادر التمويل ومراكز النفوذ، لم يعد الأمر يتعلق بخطابات سياسية أو تقارير أمنية فحسب، بل بات سلسلة متتابعة من القرارات والإجراءات التي طالت مؤسسات تعليمية، ودور عبادة، ومنصات دعائية، وجمعيات كانت لعقود تشكّل واجهة شرعية لنشاط أيديولوجي عميق التأثير داخل المجتمعات الأوروبية. 

من ألمانيا إلى فرنسا، ومن السويد إلى النمسا وسويسرا وإيرلندا، بدا المشهد وكأن القارة العجوز قررت أخيرًا الإمساك بملف ظل شائكًا لسنوات طويلة، مدفوعة بهواجس الأمن القومي، ومقتضيات حماية التماسك الاجتماعي، وتزايد القناعة بأن تغلغل الإخوان يتجاوز الدعوة الدينية إلى بناء شبكات نفوذ سياسية واقتصادية وثقافية معقّدة.

كسر المسار


لم يكن عام 2025 عامًا عابرًا في علاقة أوروبا بجماعة الإخوان، بل مثّل نقطة كسر واضحة لمسار امتد لعقود من التساهل النسبي، أو الاكتفاء بالرصد الأمني دون قرارات سياسية حاسمة، ففي ألمانيا، اتخذت التطورات منحى غير مسبوق، إذ تحولت الشكوك إلى خطوات تشريعية ومؤسسية واضحة.

فقد صعد حزب البديل من أجل ألمانيا ملف التمويل العام الموجه لمؤسسات على ارتباط بالجماعة إلى البرلمان، مطالبًا بتحقيق عاجل حول دعم مشاريع تدار عبر شبكات محسوبة على الإخوان، مع التركيز على منظمة "كليم" التي باتت عنوانًا لجدل واسع حول التمويل والشفافية. 

وبالتوازي، أعلنت وزارة الداخلية الاتحادية تأسيس مجلس استشاري دائم لمكافحة الإسلام السياسي، خطوة تكشف رغبة واضحة في الانتقال من المعالجة الأمنية التقليدية إلى بناء سياسة وطنية متكاملة تواجه التنظيم فكريًا وماليًا ومؤسسيًا.

ممارسات مالية مشبوهة


تعزز هذا التحول بقرارات قضائية صريحة، مثل إدانة رئيس مركز مروة الشربيني في دريسدن، سعد الجزار، بتهم تتعلق بالاستيلاء على أموال التبرعات وتحويلها إلى حسابه الشخصي، ما سلط الضوء على الطريقة التي تُدار بها بعض المؤسسات المحسوبة على الإخوان، وكيف أصبحت الموارد الدينية والإنسانية غطاءً لممارسات مالية مشبوهة.

ولم تتوقف ألمانيا عند هذا الحد، إذ أقدمت مؤخرًا على حظر منظمة مسلم إنتراكتيف، التي نشطت في المجال الدعائي عبر الفضاء الإلكتروني، تنفيذًا لاستراتيجية تستهدف ضرب الأذرع الإعلامية التي تعمل على نشر خطاب مؤدلج تحت غطاء حقوقي أو ثقافي.

سقوط المعهد الأوروبي


في فرنسا، حيث الملف أكثر حساسية بحكم التجربة الطويلة مع قضايا الاندماج والجاليات المسلمة، جاءت خطوة حل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية لتكون مؤشرًا على مرحلة جديدة من التشدد. 

المعهد، الذي لطالما قدّم نفسه كمؤسسة أكاديمية لتأهيل الأئمة، وُضع في قلب النقاش بعد تقارير أمنية أكدت ارتباطه المباشر بجماعة الإخوان، وتحذيرات من دوره في إعادة إنتاج خطاب ديني مؤطر سياسيًا. 

كما كشفت تقارير رسمية، أن نسبة ملحوظة من دور العبادة تخضع لتأثير الجماعة، مع تحذير من انعكاسات ذلك على تماسك المجتمع الفرنسي، لا سيما في ظل الجدل السياسي الحاد المرتبط بقضايا الهوية والعلمانية والولاء الوطني.


انتفاضة أوروبية


أما السويد، فقد وجدت نفسها في مواجهة واحدة من أكبر قضايا الفساد المرتبطة بالإخوان في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، بعد تحقيقات صحفية وأمنية كشفت شبكات مالية معقدة استغلت التمويل الحكومي المخصص للمؤسسات التعليمية ودور الحضانة.

مليارات الكرونات تدفقت إلى هذه المؤسسات تحت شعار الخدمة الاجتماعية، قبل أن تتحول – وفق التحقيقات – إلى قنوات لعمليات احتيال وتلاعب مالي، ترافقت مع هروب بعض المتورطين وتراكم ديون ضريبية ضخمة، ما وضع ملف الإخوان في السويد تحت مجهر الدولة والرأي العام معًا.

في سويسرا، ورغم غياب الصدمات القضائية المباشرة حتى الآن، فإن القلق السياسي بات واضحًا، مبادرات برلمانية تطالب بتقارير دقيقة عن وجود وتنظيم وتأثير الإخوان، ودعوات لتقييم شامل يشمل المجال الديني والتعليمي والاجتماعي والرقمي، في ظل إدراك بأن حياد سويسرا التقليدي لا يعني التغاضي عن تهديدات محتملة تتسلل بصمت عبر مؤسسات تبدو مدنية.

أما النمسا، فالقضية كانت أكثر درامية، بعد الكشف عن جاسوس داخل هيئة حماية الدستور نقل معلومات حساسة إلى شبكات مرتبطة بالإخوان، الأمر الذي هز الثقة بأجهزة الأمن وأثار غضبًا سياسيًا واسعًا، ودفع أحزابًا قوية للمطالبة بتشريعات أكثر قوة، وصولًا إلى طرح مشروع قانون شامل لحظر الإسلام السياسي وتجريم أذرعه المؤسسية.

وفي إيرلندا، دخل الملف دائرة النقاش البرلماني، خصوصًا بعد إغلاق المركز الثقافي الإسلامي في دبلن، في خطوة تعكس انتقال النقاش من الهامش إلى قلب المؤسسات السياسية.

كل هذه التطورات تؤشر إلى مسار أوروبي جديد يقوم على قناعة متنامية بأن جماعة الإخوان لم تعد مجرد تنظيم ديني عابر، بل شبكة نفوذ عابرة للحدود، قادرة على استخدام المؤسسات الديمقراطية والتمويل العام لبناء حضور سياسي وفكري واقتصادي طويل الأمد، لذلك يبدو أن عام 2025 قد لا يكون نهاية المعركة، لكنه بالتأكيد العام الذي تغيّرت فيه قواعد الاشتباك.