شبكات المال الخفي.. كيف أعادت تبرعات غزة فتح ملف تمويل الإخوان

شبكات المال الخفي.. كيف أعادت تبرعات غزة فتح ملف تمويل الإخوان

شبكات المال الخفي.. كيف أعادت تبرعات غزة فتح ملف تمويل الإخوان
حرب غزة

لم تكن الاتهامات الأخيرة الموجهة لتنظيم الإخوان بمجرد نزاع مالي عابر، بل تحوّلت إلى نافذة واسعة تطلّ على عالم التمويل الموازي للجماعة، ذلك العالم الذي يختلط فيه العمل الخيري بالتحركات السياسية والولاءات العابرة للحدود، فمع تصاعد الحرب في غزة وتضاعف حملات جمع التبرعات، برزت فجأة روايات تتحدث عن شبكة مؤسسات تعمل تحت لافتات إنسانية، لكنها بحسب اتهامات حماس وسياسيين وخبراء شكّلت قناة مالية هدفها دعم التنظيم أكثر مما هو دعم المحاصرين في القطاع.

انفجار الاتهامات.. لحظة تعرية أم حلقة جديدة؟

أعاد الجدل المشتعل حول مصير التبرعات الموجهة إلى غزة فتح واحد من أكثر الملفات حساسية في تاريخ تنظيم الإخوان، وهو التمويل، فالبيانات والاتهامات المتبادلة خلال الأشهر الأخيرة لم تعد محصورة في دوائر التواصل الاجتماعي، بل خرجت إلى العلن عبر بيانات رسمية صادرة عن حركة حماس، وتصريحات لخبراء ومسؤولين، تستند جميعها إلى ما يبدو أنه صراع أوسع من مجرد "خلاف إداري".

وتتهم أطراف عدة شبكات محسوبة على التنظيم تعمل من تركيا والأردن ودول أخرى بالاستحواذ على مبالغ طائلة جُمعت باسم غزة، دون إيصالها إلى القنوات التي يفترض أن تتولى توزيعها داخل القطاع المحاصر، وبرغم غياب إعلان رسمي عن حجم الأموال المفقودة، إلا أن تقديرات بعض الباحثين، وعلى رأسهم ماهر فرغلي، تشير إلى ما يصل لنحو نصف مليار دولار في حملة واحدة، وهو رقم ضخم يكشف حجم التعاطف الدولي وما يمكن أن يمثله كرافعة مالية لمن يسعى لاستغلاله.

بيان حماس: خطوة غير مسبوقة

جذور الأزمة تعود إلى 27 يناير 2024، حين نشرت حركة حماس بيانًا استثنائيًا من حيث لهجته واستهدافه المباشر لعدد من المؤسسات "الإخوانية الهوى"، وفي مقدمتها وقف الأمة، منبر الأقصى، وكلنا مريم.

البيان لم يحدد حجم الأموال المسروقة، لكنه اتهم هذه المؤسسات بوضوح بـ"الاستئثار" بالتبرعات، والابتعاد عن المسار المتفق عليه، وهذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها الحركة على نحو رسمي مؤسسات محسوبة على الإخوان بالفساد المالي في ملف مرتبط بالقضية الفلسطينية، وهو ما اعتبره مراقبون تطورًا مهمًا في علاقات الجانبين، خصوصًا أن حماس كانت تاريخيًا الطرف الأكثر حرصًا على إبقاء الخلافات في الظل.

القصة الكاملة.. من مدوّنة شاب إلى أزمة إقليمية

بدأت القصة، وفق ما كشفه فرغلي، حين نشر شاب حمساوي يُدعى خالد حسن سلسلة تدوينات تتهم جمعية وقف الأمة باختلاس أموال جمعتها تحت شعار دعم غزة، ومع توسّع الجدل، تحوّلت التدوينات إلى ملف كامل، احتوى وثائق مسربة ومحادثات داخلية، زاد من مصداقيته نشره من داخل الأوساط الحمساوية.

وتابع فرغلي -في منشور على منصة "إكس"-، أن سرعان ما التقطت الحركة الخيط، لتعلن عبر بيانها رفع الغطاء عن المؤسسات المتهمة، وبحسب خبراء، فإن حماس شعرت بأن جمعيات محسوبة على التنظيم الدولي تجمع التبرعات خارج إطارها وتتجاوز سلطتها، في وقت ترى فيه الحركة نفسها الطرف الأحق بإدارة موارد غزة المالية.

تُعرّف مؤسسة وقف الأمة نفسها بأنها وقف خيري يعمل من تركيا منذ 2013 ويركز على القدس والأقصى وغزة، ولكن خلف هذا التعريف البريء تقف شبكة واسعة من الأنشطة، مؤتمرات، حملات دولية، فعاليات تعريفية، ومشاريع إعلامية.

وتوفر هذه الأنشطة غطاءً مثاليًا لعمليات جمع أموال يصعب تتبعها، خاصة في ظل عدم وجود آليات رقابية صارمة في بعض البلدان التي تُمنح فيها المؤسسات الخيرية هامشًا واسعًا من الحرية.

ردود سياسية وإعلامية: تصعيد يكشف عمق الفضيحة


لم يتأخر رد الإعلاميين والسياسيين، إذ وصف الإعلامي المصري مصطفى بكري ما حدث بأنه وصمة عار ستظل تلاحق الجماعة، وأكد أن من كشف الفضيحة هم عناصر من داخل حماس نفسها، وهو ما يسقط من وجهة نظره أي محاولة للتهرب من المسؤولية.

وفي الأردن، جاءت التحقيقات الرسمية لتضيف طبقة جديدة من التعقيد بعد الكشف عن تورط جهات محسوبة على التنظيم في نشاط مالي غير مشروع، التحقيقات أشارت بوضوح إلى أن جماعة الإخوان جمعت تبرعات لحرب غزة دون شفافية أو تنسيق، ما فتح الباب أمام الاتهامات العابرة للحدود.

الحاجة إلى التمويل


يرى د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ما جرى ليس حادثة معزولة ولا أول فضيحة مالية تتعلق بالجمعيات المرتبطة بالإخوان. فالتنظيم الدولي يمتلك شبكة واسعة من مصادر التمويل بين استثمارات وتبرعات وتحويلات مالية تُبقيه بعيدًا عن الأزمات الوجودية.

لكن خطورة ما كُشف، وفق المنجي، تكمن في توظيف الجماعة التاريخي للقضية الفلسطينية كوسيلة لجذب التمويل وتوسيع النفوذ، ويضيف أن الصراع بين حماس والجماعة يدور اليوم حول "من يملك القرار، ومن يمتلك المال"، في ظل تحولات إقليمية خلقت صدامًا بين أجندات الطرفين.