إخفاقات نتنياهو السياسية وفشل حرب غزة تضع العلاقات الإسرائيلية الأمريكية على المحك

إخفاقات نتنياهو السياسية وفشل حرب غزة تضع العلاقات الإسرائيلية الأمريكية على المحك

إخفاقات نتنياهو السياسية وفشل حرب غزة تضع العلاقات الإسرائيلية الأمريكية على المحك
نتنياهو

تشهد منطقة الشرق الأوسط مرحلة دقيقة توصف بأنها مفصلية في إعادة رسم ملامحها السياسية والأمنية، مع اقتراب عام 2026 الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره عامًا حاسمًا في تحديد شكل النظام الإقليمي الجديد، الذي تَشكّل في أعقاب الزلازل السياسية والعسكرية العميقة التي ضربت المنطقة خلال العامين الماضيين. 

وبحسب القناة الـ"١٢ الإسرائيلية"، فإنه من غزة إلى بيروت، ومن دمشق إلى طهران، تتبلور قناعة متزايدة لدى مختلف الأطراف بأن موازين القوى التقليدية لم تعد صالحة، وأن خريطة المحاور التي استقرت لعقود باتت بحاجة إلى إعادة تعريف.

في هذا السياق الإقليمي المتحرك، تبدو إسرائيل، وفقًا للتقدير السائد لدى مراقبين، منشغلة بقضايا داخلية هامشية تحولت إلى مركز الاهتمام السياسي والإعلامي، في وقت تنشغل فيه العواصم المحيطة بها بقراءة التحولات الكبرى والاستعداد لاستحقاقات مصيرية.

 

غزة: واقع جديد بعد دمار غير مسبوق

في الساحة الفلسطينية، بات واضحًا أن قطاع غزة، بصورته المعروفة سابقًا، لم يعد قائمًا. فالدمار الواسع الذي خلّفته حرب استمرت نحو عامين تجاوز كل ما عرفته القطاع في جولات سابقة من الصراع. مئات الآلاف من سكان غزة لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، ولا يبدو أن عودتهم ستكون ممكنة في المدى القريب.

وعلى الصعيد السياسي، فقدت حركة حماس، حتى وفق تقديرات داخل إسرائيل، جزءًا كبيرًا من شرعيتها، ليس فقط لدى دول عربية وإسلامية كانت قد أبدت تعاطفًا معها في مراحل سابقة، بل أيضًا لدى شريحة واسعة من سكان القطاع أنفسهم.

وتُظهر استطلاعات رأي صادرة عن مراكز بحث فلسطينية أن أكثر من 70 في المائة من الفلسطينيين لن يصوتوا لحماس إذا جرت انتخابات اليوم في غزة والضفة الغربية. 

ولا تبدو النتائج أفضل بالنسبة لحركة فتح، ما يعكس حالة بحث شعبي عن قيادة جديدة وأفق سياسي مختلف ومستقبل مغاير.

 

لبنان: أزمة هوية تضرب حزب الله

في لبنان، تتخذ الأزمة شكلًا مختلفًا وأكثر عمقًا. فحزب الله، الذي هيمن عمليًا على القرارين السياسي والأمني في البلاد على مدى عقدين، يواجه تحديًا وجوديًا غير مسبوق. 

ولا يكمن جوهر القلق بالنسبة له في تراجع قدراته العسكرية بقدر ما يتمثل في تصاعد قوة المعارضة الداخلية، وتشكيل حكومة لا تخضع لنفوذه، وانتخاب رئيس للجمهورية لا ينتمي إلى معسكره.

السؤال المطروح اليوم داخل المجتمع اللبناني لم يعد أمنيًا فقط، بل تحول إلى سؤال هوياتي: هل حزب الله جزء لا يتجزأ من الدولة اللبنانية أم امتداد إيراني يعمل فوق أراضيها؟ المقولة التي روّج لها الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله، والقائلة إن سلاح الحزب وُجد لحماية لبنان، فقدت الكثير من رصيدها الشعبي، خاصة بعد أن تبيّن أن هذا السلاح لم ينجح في حماية الدولة ولا حتى قيادات الحزب التي تعرضت للتصفية خلال المواجهة مع إسرائيل.

 

سوريا: شرعية إقليمية ودولية تتوسع

في دمشق، يدخل الرئيس أحمد الشرع عامه الثاني في الحكم بثبات ملحوظ، فقد حظي بدعم سياسي متزايد من دول الخليج وتركيا، فيما أبدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ثقتها به بشكل علني، هذا الزخم تجاوز حدود سوريا، إذ تنظر أطراف في غزة ولبنان بقدر من الغيرة إلى زعيم يحظى بشرعية إقليمية ودولية واسعة.

غير أن إسرائيل تبرز هنا كعنصر معرقل. فسياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القائمة على التردد والمماطلة في التوصل إلى اتفاق أمني مع سوريا، رغم أن معظم بنوده صيغت في مراحل سابقة، تُفسَّر في أوساط المحور المناهض لإيران، بقيادة السعودية، على أنها محاولة لإجهاض مسار إقليمي واسع.

وينظر هذا المحور إلى نجاح حكم الشرع باعتباره إنجازًا معنويًا قد يمتد أثره إلى عموم الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار، لم يكن مستغربًا أن يتساءل القيادي في حماس خالد مشعل مؤخرًا عن سبب منح إدارة ترامب فرصة للشرع وحرمان حماس من فرصة مماثلة. ورغم أن الشرع لا يمثل خيارًا مثاليًا لإسرائيل، فإن معارضة تل أبيب لشرعيته تضعها، في نظر شركائها الإقليميين، في موقع الطرف المعرقل.

 

إيران: محاولة قلب السردية الإقليمية

في طهران، يلاحظ المراقبون تحولًا في النهج السياسي. فالنظام الإيراني، الذي لم ينهَر عقب حرب الأيام الاثني عشر، يتجه إلى تعزيز علاقاته مع خصوم الأمس. وتسعى إيران إلى استغلال ما تصفه بفشل الضربة الإسرائيلية في قطر لإقناع دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، بأن حكومة نتنياهو فقدت السيطرة وتتصرف بطريقة غير عقلانية، وأن إسرائيل، لا إيران، هي مصدر عدم الاستقرار في المنطقة.

ورغم أن هذه المساعي لم تحقق نجاحًا كبيرًا حتى الآن، فإن استمرار تصوير إسرائيل كطرف يرفض الاتفاقات ويدفع نحو فتح جبهات جديدة في غزة وسوريا ولبنان من شأنه أن يُعزز الموقف الإيراني ويُبعد حلم السلام الذي يسعى إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.

إخفاقات نتنياهو الكبرى

بعد عامين قاسيين من الحروب وتعدد الجبهات المفتوحة، يبرز الإخفاق الأبرز للحكومة الإسرائيلية في عجزها عن ترجمة الإنجازات العسكرية إلى تسويات سياسية نهائية. 

ففي مقابل الغموض الذي يطبع الموقف السياسي في تل أبيب، تتشكل جبهة إقليمية واضحة المعالم تمتد من الرياض والدوحة إلى القاهرة وأنقرة، وتجمع على ضرورة إغلاق الجبهات وفتح أفق لتطبيق خطة ترامب المعروفة بـخطة النقاط العشرين.

وتضغط الدول الوسيطة على حركة حماس لتسريع عمليات البحث وتسليم جثمان آخر رهينة إسرائيلي في غزة، ران جويلي، لكنها تخشى في الوقت نفسه أن يتعطل المسار بأكمله عند نقطة واحدة حساسة، تتمثل في البند التاسع عشر من الخطة، المتعلق بإيجاد مسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة.

 

رهانات الانتخابات وحدود صبر واشنطن

داخل إسرائيل، يذهب بعض المسؤولين إلى أن اقتراب الانتخابات قد يمنح نتنياهو هامش حركة أوسع، ويحرره من قيود شركائه في الائتلاف، ما قد يتيح له تسريع الخطوات الإقليمية. غير أن رئيس الوزراء لا يبدو متعجلًا في حسم قراره، وربما لا يعلم هو نفسه إن كانت انتخابات مبكرة ستُجرى ومتى.

السؤال المطروح هو ما إذا كان الرئيس ترامب والدول الوسيطة مستعدين للانتظار حتى تتضح الصورة السياسية في إسرائيل. 

وبحسب تقديرات الوسطاء، لا توجد ضمانات لذلك، بل يسود اعتقاد متزايد بأن الأمر قد لا يكون سوى مسألة وقت قبل أن يتحرك ترامب بشكل مستقل، بعدما نفد صبره من الطرف الذي يُنظر إليه على أنه عامل التعطيل الأساسي، بنيامين نتنياهو.