2025 عام قطع الشرايين الخفية.. كيف انهارت منظومة تهريب الحوثيين؟

2025 عام قطع الشرايين الخفية.. كيف انهارت منظومة تهريب الحوثيين؟

2025 عام قطع الشرايين الخفية.. كيف انهارت منظومة تهريب الحوثيين؟
ميليشيا الحوثي

لم يكن عام 2025 مجرد حلقة جديدة في مسار الحرب اليمنية، بل تحول إلى محطة فاصلة كشفت حدود قوة جماعة الحوثي عندما تُستنزف روافدها السرية، فبعد سنوات من الاعتماد على تهريب السلاح بوصفه العمود الفقري الذي يغذي ترسانتها ويُبقيها لاعبًا في الميدان اليمني والإقليمي، جاءت سلسلة عمليات دقيقة متتابعة لتضرب هذه الشرايين واحدًا تلو الآخر، ومع كل شحنة تصادر وكل مسار يغلق، كانت مساحة الحركة العسكرية للجماعة تضيق، وتتآكل أوراق المناورة التي اعتادت لعبها، وبات البحر الأحمر والمنافذ البرية، اللذان شكّلا لسنوات ممرًا آمنًا للتزوّد بالسلاح، مجالين شديدي الرقابة، تتحرك فيهما جهات حكومية ويمنية وأممية بتناغم غير مسبوق، ومع تزايد وتيرة الضبط والملاحقة، بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل مرحلة تحاصر فيها قدرات الحوثيين اللوجستية، وتختبر قدرتهم على الاستمرار دون آلة إمداد خارجية كانت يومًا سر قوتهم.

الشبكات تنهار.. وتوازن القوة يتزعزع

شهد العام 2025 ما يمكن وصفه بـ"انكسار منظومة التهريب الحوثية"، بعد أن طالت الضربات المتتالية أهم مسارات الإمداد التي اعتمدت عليها الجماعة لسنوات، فالشحنات التي كانت تتدفق عبر البحر الأحمر، والمنافذ البرية في المهرة وأبين، وحتى الطرق الخلفية الممتدة على طول السواحل اليمنية، لم تعد كما كانت، عمليات إحباط متتالية أنهكت الوسطاء والسماسرة وشبكات النقل، ورفعت كلفة المغامرة، بينما دفعت الجماعة إلى البحث بيأس عن مسارات بديلة أقل قدرة وأعلى خطرًا.

ورغم أن مياه اليمن الإقليمية تمتد على أكثر من 2500 كيلومتر، ما يجعلها مساحة مفتوحة ومعقدة، فإن الرقابة المحكمة التي فُرضت هذا العام غيّرت قواعد اللعبة.

أبرز عمليات الضبط سجلت في ميناء عدن ومنفذ شحن في المهرة وسواحل لحج، وصولاً إلى اعتراض شحنات في عرض البحر الأحمر نفسه.

 هذه التطورات لم تكن مجرد نجاحات أمنية متفرقة، بل تعبير عن تحول ممنهج في آليات المتابعة والردع.

تنسيق أمني غير مسبوق.. وإغلاق الفراغات

ما حدث لم يكن ضربة حظ، بل نتاج منظومة تنسيق متعددة الأطراف، ضمت الجمارك اليمنية وقوات المقاومة الوطنية البحرية وقوات العمالقة والحزام الأمني وخفر السواحل، إلى جانب آلية التفتيش الأممية في جيبوتي.

هذا التداخل المؤسسي بين المحلي والإقليمي والدولي سدّ الثغرات التي لطالما استغلتها جماعة الحوثي، وحوّل عمليات التهريب إلى مقامرة باهظة الثمن.

وبحسب مصادر أمنية أكدت لـ"العرب مباشر"، فإن إحدى أكبر الشحنات المضبوطة هذا العام بلغت نحو 2500 طن، احتوت على طائرات مسيرة ومنظومات صواريخ ودفاع جوي ورادارات ومعدات اتصالات وذخائر متنوعة أي أن الضربات طالت النوعية لا الكمية فقط.

تآكل القدرة التقنية


أظهرت طبيعة ما جرى مصادرته أن الجماعة لم تكن تعتمد على تسليح تقليدي فحسب، بل كانت تراهن على تطوير ذراع نوعي يشمل المسيرات المتطورة، ومنظومات الرادار، وأجهزة التحكم الإلكترونية، ومعدات التشويش.

هذه المنظومات هي التي منحت الحوثيين القدرة على فرض تهديد عابر للحدود، سواء عبر الهجمات البحرية في البحر الأحمر، أو من خلال تعزيز قوتهم العسكرية داخليًا.

غير أن المسار تبدّل، فقد انخفضت وتيرة وصول هذه التقنيات، وتراجعت قدرة الحوثيين على سد الفجوات التي تركها الاستنزاف العسكري.

حتى محاولات الالتفاف عبر مسارات تهريب بديلة اصطدمت ببيئة رقابية أكثر تشددًا، ووعي أممي متزايد بخطورة ترك هذه الشبكات دون مواجهة.

الأثر الاستراتيجي


يرى خبراء، أن هذه التطورات لا تعني شل الحوثيين كليًا، لكنّها تفرض عليهم معادلة أكثر صعوبة. فالجماعة، التي بنت جزءًا كبيرًا من قوتها على اقتصاد التهريب، تواجه اليوم تآكلاً تدريجيًا في قدرتها على تجديد سلاحها النوعي، ما يُضعف هامش التفوق الذي كانت تراهن عليه. 

هذا الضغط المتراكم سينعكس على أدائها الميداني، وعلى سياساتها في إدارة الصراع، وربما على خطابها السياسي الذي طالما استند إلى قوة الردع.

كما أن تقليص شحنات الصواريخ والمسيرات يعيد رسم خريطة التأثير الحوثي في البحر الأحمر، ويحد من قدرتها على توظيف التوتر الإقليمي كورقة نفوذ، ومع كل ذلك، يبقى السؤال، هل ستتمكن الجماعة من ابتكار مسارات جديدة، أم أن 2025 سيكون بداية مرحلة الاعتماد الذاتي القسري الذي يختبر مدى صلابتها دون دعم خارجي مستمر؟