اتفاق غزة يترنح.. وثائق أمريكية تكشف انقسامًا داخل إدارة ترامب

اتفاق غزة يترنح.. وثائق أمريكية تكشف انقسامًا داخل إدارة ترامب

اتفاق غزة يترنح.. وثائق أمريكية تكشف انقسامًا داخل إدارة ترامب
حرب غزة

بينما كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسوّق لاتفاق غزة بوصفه "نقطة تحول تاريخية" في الشرق الأوسط، كانت وثائق داخلية تُظهر صورة مغايرة تمامًا، خلف الكواليس، تدور نقاشات متوترة داخل الدوائر الأمريكية حول هشاشة الاتفاق وصعوبة تنفيذه، وسط مخاوف من أن يتحول المشروع إلى عبء سياسي جديد يُذكّر واشنطن بتجاربها الفاشلة في العراق وأفغانستان.


الوثائق التي كشف عنها موقع بوليتيكو الأمريكي، تتحدث عن مسارات غامضة، وأدوار متشابكة، وخطط أمنية لم تتبلور بعد، كما تطرح أسئلة خطيرة حول "قوة الاستقرار الدولية" المفترض أن تُنشر في غزة، ومدى استعداد الدول للمشاركة في مهمة محفوفة بالمخاطر، في الوقت الذي يحتفي فيه ترامب بانتصاره الدبلوماسي المزعوم، يقرّ مسؤولون أمريكيون أن الطريق نحو "السلام الدائم" ما زال طويلًا، وأن الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع الميداني تتسع يومًا بعد يوم.

قوة استقرار بلا تفويض واضح


تشير الوثائق الأمريكية المسربة إلى أن اتفاق غزة الذي رعته إدارة ترامب يواجه خطر الانهيار قبل أن يبدأ فعليًا، فوفقًا لما أوردته صحيفة بوليتيكو، فإن وثائق تم تداولها بين مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية أظهرت غياب خطة متماسكة لتنفيذ البنود الجوهرية للاتفاق، الذي دخل حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر.


الوثائق، التي عُرضت خلال ندوة مغلقة شارك فيها مئات من عناصر القيادة المركزية الأمريكية وأعضاء مركز التنسيق المدني العسكري في جنوب إسرائيل، رسمت صورة قاتمة للمرحلة المقبلة، وأحد أبرز مظاهر القلق تمثل في ملف "قوة الاستقرار الدولية" التي يفترض أن تتولى إدارة الأمن في غزة بعد الحرب، إذ أظهرت الشرائح التقديمية علامات استفهام ضخمة بين المرحلتين الأولى والثانية من خطة السلام، ما يعكس غياب الرؤية التنفيذية حتى داخل الفريق الأمريكي نفسه.


من بين المواد التي عرضت في الندوة، تقارير استخبارية، ومذكرات من وكالات حكومية أمريكية، ووثائق من "معهد بلير" الذي يديره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، أحد المستشارين التاريخيين في قضايا السلام، هذه المواد لم تكن سرية، لكنها تكشف عن قلق عميق من أن تتعثر واشنطن في مستنقع غزة كما حدث في تجارب سابقة بالمنطقة.


مسؤول دفاعي أمريكي أكد لـ"بوليتيكو"، أن "المخاوف ليست أمنية فقط، بل سياسية أيضًا"، فالإدارة، بحسب المسؤول، تدرك أن ترامب يخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر: يسعى لوساطة في نزاع مزمن دون أن يمتلك الأدوات اللازمة — لا صبر، ولا موارد، ولا توافق دولي كافي.

هدنة مؤقتة


المثير أن الوثائق لا تحمل حلولًا ملموسة، بل تسرد "قائمة عقبات" تمتد من إعادة الإعمار إلى التنسيق مع الفصائل الفلسطينية. حتى عنوان إحدى الشرائح يقول صراحة: "العمل الحقيقي يبدأ الآن"، وكأنها تعترف بأن ما تحقق حتى الآن لا يتجاوز هدنة مؤقتة.


مسؤولون آخرون، من بينهم ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى، أكدوا أن الاتفاق يتطلب "تركيزًا بيروقراطيًا مستمرًا"، وهو ما لا تملكه الإدارة حاليًا. فمع تعدد الأزمات الدولية، بات ملف غزة وظيفة بدوام كامل لا يستطيع أحد في واشنطن أن يكرّس لها الجهد اللازم.


في المقابل، لا تخفي الوثائق وجود طموح أمريكي أوسع من مجرد وقف إطلاق النار. أحد المخططات التنظيمية التي تم عرضها يشير إلى تدخل أمريكي مباشر في إعادة إعمار غزة، بما يشمل الإشراف على القطاعات الاقتصادية، وهو ما أثار جدلًا حول نوايا واشنطن في "إدارة ما بعد الحرب" أكثر من دعم الفلسطينيين.


إحدى النقاط المثيرة في الوثائق تتعلق بالفراغ الأمني داخل القطاع، فالتقرير الصادر عن معهد بلير في 20 أكتوبر يصف الوضع بأنه "شبه انهيار أمني"، ويشير إلى أن حماس أعادت نشر سبعة آلاف عنصر أمني لملء الفراغ، بينما تسيطر إسرائيل فعليًا على 53% من مساحة غزة، يعيش معظم السكان في المناطق الخارجة عن السيطرة الإسرائيلية، ما يخلق تحديًا هائلًا أمام أي قوة دولية مستقبلية.


صورة قاتمة خلف الخطاب المتفائل


ورغم هذا، تتحدث الوثائق عن "تفاؤل سياسي" في العلن، ففي منتصف أكتوبر، أعلن ترامب من القدس أن "المنطقة على أعتاب عهد جديد من الانسجام والسلام"، بينما تؤكد التقارير أن الجيش الأمريكي لا يملك سوى خطط جزئية، وأن وزارة الخارجية غائبة فعليًا عن المشهد بعد تقليص ميزانياتها.


في الجانب الدولي، تكشف الوثائق، أن واشنطن بدأت بالفعل توزيع مشروع قرار في مجلس الأمن لتفويض "قوة الاستقرار الدولية"، لكن التنفيذ يواجه معضلات حقيقية. بعض الدول، مث:ل إندونيسيا وأذربيجان وباكستان، أبدت استعدادًا مبدئيًا للمشاركة، بينما تحفظت إسرائيل على مشاركة تركيا تحديدًا لأسباب سياسية وأمنية.

وتشير المراسلات الداخلية إلى أن العديد من الحلفاء أبلغوا واشنطن بأنهم لن يرسلوا قوات دون تفويض واضح من الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، من جانبها، تعتزم عقد مؤتمر دولي للمانحين بعد صدور القرار الأممي، لكن الجدول الزمني ما يزال غامضًا، تمامًا كغموض مستقبل غزة نفسها.


السلطة الفلسطينية، التي تطمح لاستعادة دورها في القطاع، تجد نفسها خارج المعادلة تقريبًا، إذ ترفض إسرائيل إشراكها وتصرّ على أن أي دور لها مشروط بإصلاحات داخلية، حتى لو عادت السلطة، فإن سجلها في غزة ضعيف، وشعبيتها متدنية منذ سيطرة حماس عام 2007.


وبحسب أحد المسؤولين الأمريكيين المشاركين في إعداد الوثائق، فإن "كل المسارات الحالية تشير إلى خطر التورط الأمريكي الطويل الأمد في غزة"، مضيفًا أن الإدارة "تسير في طريق محفوف بالألغام السياسية".