مهندس اقتصاد الظل.. واشنطن ترصد 10 ملايين دولار لمن يكشف علي قصير.. فمن هو؟
مهندس اقتصاد الظل.. واشنطن ترصد 10 ملايين دولار لمن يكشف علي قصير.. فمن هو؟

في الزمن الحالي، لم يعد السلاح وحده هو ما يُشعل الحروب أو يمدّ الحركات المسلحة بأسباب البقاء، بل باتت شبكات التمويل والتهريب والتجارة الموازية هي الوقود الحقيقي لمعظم الصراعات، هذه الحقيقة تدركها واشنطن جيدًا، وهو ما يفسر إعلانها الأخير عن رصد مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حول علي قصير.
أحد أبرز العقول المالية التي يُتهم بأنها تضخ الحياة في شرايين حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني، قصير، الذي تحوّل من رجل أعمال إلى شخصية مثيرة للجدل على لوائح العقوبات، ليس مجرد موظف تنفيذي، بل يُنظر إليه كحلقة وصل مركزية بين اقتصاد الظل الإقليمي والمصالح العسكرية العابرة للحدود.
علي قصير.. من هو؟
منذ الإعلان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، تحوّل اسم علي قصير إلى العنوان الأبرز في ملف التمويل غير المشروع المرتبط بحزب الله. فهو ليس مجرد واجهة لشركة مشبوهة أو وسيط في عمليات محدودة، بل يشكل ـ وفق الروايات الأمريكية ـ أحد أبرز "الميسرين الماليين" الذين نسجوا علاقات تجارية معقدة تتيح الالتفاف على العقوبات وتغذية عمليات عابرة للحدود.
وُلد علي قصير في 29 يوليو 1982، في بيئة سياسية واقتصادية متشابكة، علاقته العائلية بمحمد قصير، القيادي البارز في حزب الله والمسؤول عن شبكات الدعم اللوجستي والمالي، جعلت منه مبكرًا جزءًا من منظومة أوسع تُدار بسرية ودقة.
على مر السنوات، صعد نجمه في القطاع التجاري حتى أصبح مديرًا إداريًا لشركة "تلاقي جروب"، وهي كيان يتهمه الأمريكيون بالعمل كغطاء لتدفقات مالية ضخمة تتعلق بالنفط والصلب وسلع أخرى، تصب جميعها في مصلحة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
هندسة التجارة السوداء
لم تكن أنشطة قصير مقتصرة على تنسيق شحنات هنا أو هناك، بل اتسعت لتشمل التفاوض على أسعار النفط الخام، تسوية المدفوعات المعقدة، والإشراف على عمليات شحن بحرية تمتد من إيران إلى سوريا عبر وسطاء.
تشير تقارير أمريكية إلى أنه لعب دورًا محوريًا في تسهيل شحنة النفط الإيرانية الشهيرة على متن سفينة "أدريان داريا 1"، التي أثارت في حينها أزمة دبلوماسية واسعة، كما ارتبط اسمه بصفقات فولاذ بلغت قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، ما يعكس حجم الشبكة التي يشرف عليها.
لم يكن إدراج علي قصير على لوائح الإرهاب الأمريكية عام 2019 نهاية لمسيرته المالية، بل بداية مرحلة جديدة من الملاحقة، فقد جُمدت ممتلكاته داخل الولاية القضائية الأمريكية، وحُظر التعامل معه من قبل المواطنين والشركات الأمريكية، لكن نشاطه الميداني لم يتوقف، وفق ما تؤكد الخارجية الأمريكية.
لذا جاء الإعلان الأخير عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار بمثابة تصعيد جديد يهدف إلى تجفيف المنابع التي يتغذى منها حزب الله. فواشنطن تراهن على أن الحوافز المالية قد تدفع متعاونين محتملين إلى كشف معلومات حساسة حوله أو حول شركائه.
قصير بين مطرقة واشنطن وسندان طهران
ما يزيد من خطورة الملف أن قصير لا يعمل بمفرده، بل ضمن منظومة تتداخل فيها مصالح سياسية وتجارية وأمنية، فهو "ممثل حزب الله في إيران"، وفق التصنيف الأمريكي، ويمثل كذلك شركات لبنانية في صفقات معقدة تخص النفط الإيراني المتجه إلى سوريا.
أي أن سقوطه ـ إن حدث ـ لن يكشف فقط عن شخصية واحدة، بل عن شبكة متشعبة قد تمتد آثارها إلى قلب العلاقة بين حزب الله وفيلق القدس، وربما إلى صميم العلاقة الإيرانية ـ اللبنانية ذاتها.