العدالة المفقودة في غزة.. مقتل الصفطاوي يهز ضمير الفلسطينيين ويفتح جرح الانقسام

العدالة المفقودة في غزة.. مقتل الصفطاوي يهز ضمير الفلسطينيين ويفتح جرح الانقسام

العدالة المفقودة في غزة.. مقتل الصفطاوي يهز ضمير الفلسطينيين ويفتح جرح الانقسام
مقتل الصفطاوي

في فجرٍ صامتٍ غاب فيه صوت العدالة، دوّى الرصاص في مخيم النصيرات ليعلن عن سقوط هشام الصفطاوي، الأسير المحرر والناشط المجتمعي الذي عاش نصف عمره بين السجن والعمل العام. لم يكن مقتل الصفطاوي مجرد جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الدم الفلسطيني، بل صار مرآةً عاكسة لأزمة أعمق، أزمة الانقسام الذي لم يعد سياسيًا فحسب، بل تحوّل إلى صراع على الحق في الكلمة والحياة.


الواقعة التي وُصفت بـ"القتل بدم بارد" أثارت عاصفة من الغضب داخل المجتمع الفلسطيني، بعدما أقدم مسلحون قيل إنهم تابعون لحركة حماس على اقتحام منزل الرجل الخمسيني أمام عائلته وأطفاله، وبينما تصرّ العائلة على محاسبة الجناة أمام القضاء، تلوح في الأفق أسئلة قاسية، هل يمكن تحقيق العدالة في بيئة تسودها الانقسامات والسلاح المنفلت؟

مشهد دموي


في ساعة الفجر الأولى من يوم الجمعة، اقتحمت قوة مسلحة مكوّنة من نحو خمسين عنصرًا ملثمًا منزل هشام الصفطاوي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.


وفق شهادة شقيقه سعيد، لم يكن هناك أمر اعتقال، ولا مذكرة تفتيش، بل عملية إكراه منسقة أفضت إلى مشهد دموي أمام الأطفال والنساء.


داخل البيت، الذي كان يضم زوجاته الاثنتين وسبعة عشر ابنًا وابنة، تحوّل الهدوء إلى فوضى ورعب، حاول هشام، البالغ من العمر 57 عامًا، مقاومة القوة التي طالبته بالخروج دون توضيح السبب.


وعندما رفض، أطلقت النار عليه أمام عائلته، ثم سُحب جثته قرابة مئتي متر قبل نقله إلى مستشفى شهداء الأقصى، حيث فارق الحياة لاحقًا تحت حراسة مشددة من عناصر ملثمين.

من هو الصفطاوي؟


تاريخ الصفطاوي لم يكن عاديًا، فهو أحد الأسرى القدامى الذين أمضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال، قبل أن يتحول بعد الإفراج عنه إلى ناشط مجتمعي وعضو سابق في حركة فتح، عُرف عنه التزامه بالعمل المدني، ومواقفه المستقلة التي لم تُرضِ جميع الأطراف، لكنه لم يكن بحسب عائلته يومًا مصدر تهديد أو تمرد مسلح.


شقيقه يقول في حديث لوسائل إعلام عربية، هشام كان رجل مبدأ، لم يرفع سلاحًا إلا ضد الاحتلال، وكان مؤمنًا بأن القانون هو الملاذ الأخير للعدالة.


الجريمة التي هزّت الشارع الفلسطيني تجاوزت كونها حدثًا عابرًا، فهي تعكس بحسب مراقبين أزمة ثقة عميقة بين المواطنين والجهات المسلحة التي تتصرف خارج إطار القانون، في مجتمع أنهكته سنوات الانقسام بين الضفة وغزة، تتزايد حالات "الاعتقال السياسي" والانتهاكات الفردية، ما يخلق مناخًا من الخوف والاحتقان.

لا وساطة أو تسوية


العائلة ترفض أي وساطة أو تسوية عشائرية، وتصرّ على أن التحقيق يجب أن يتم عبر جهات قانونية مستقلة، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو عبر منظمات حقوقية دولية. سعيد الصفطاوي شدد على أن "الدم لا يُقايض"، مضيفًا: لا نريد الانتقام، نريد فقط الحقيقة، ومن أمر بإطلاق النار على رجل أعزل أمام أطفاله.


القضية فتحت الباب أمام نقاش أوسع حول دور الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل في غزة، وكيف تُدار العدالة في مناطق خارجة فعليًا عن سيطرة القضاء المدني الفلسطيني.


محللون يرون أن استمرار ظاهرة السلطة الموازية يهدد أسس النظام القانوني والاجتماعي، ويحوّل الصراع السياسي إلى صراع دموي بين أبناء القضية الواحدة.


كما سلطت الجريمة الضوء على هشاشة النسيج الاجتماعي في غزة، إذ تحوّل الخلاف السياسي إلى تهديد شخصي. فالكثير من المواطنين باتوا يخشون التعبير عن آرائهم أو نقد سياسات الفصائل خوفًا من الملاحقة أو الإقصاء.


هذا المناخ القاتم كما يصفه مراقبون يزرع بذور اليأس في أوساط الشباب، الذين يرون أن ثمن الكلمة أصبح أغلى من الحياة نفسها.
وفي الوقت الذي التزمت فيه الجهات الرسمية في غزة الصمت، وطالبت منظمات حقوقية فلسطينية ودولية بفتح تحقيق مستقل وشفاف، النيابة العامة الفلسطينية، أعلنت لاحقًا أنها تتابع القضية، لكن الشارع ما يزال يشكّك في إمكانية الوصول إلى العدالة في ظل الانقسام القائم.