أمريكا تعيد فرز خرائطها الداخلية.. كيف تحولت الإخوان إلى ملف أمني تتصدره ولايات الجنوب؟
أمريكا تعيد فرز خرائطها الداخلية.. كيف تحولت الإخوان إلى ملف أمني تتصدره ولايات الجنوب؟
في لحظة سياسية لا تشبه أي مرحلة سابقة داخل الولايات المتحدة، تعود جماعة الإخوان إلى واجهة الجدل الأميركي من أوسع أبوابه، ليس عبر نقاشات أكاديمية أو تقارير بحثية، بل من خلال قرارات تنفيذية لافتة صادرة عن ولايات كبرى تقودها إدارات جمهورية تتجه نحو تصعيد غير مسبوق، فقد وجدت ولايتا تكساس وفلوريدا نفسيهما في صدارة المشهد، بعد خطوات جريئة أدرجت الإخوان، ومعها مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، في قوائم الإرهاب المحلية، في إشارة إلى أن معركة تعريف "التهديد" داخل الولايات المتحدة انتقلت من المؤسسات الفيدرالية إلى سلطة الولايات.
ومع أن هذا التحول يأتي في أعقاب الزلزال الجيوسياسي الذي أحدثته أحداث 7 أكتوبر، إلا أنه يعكس أيضًا صراعًا داخليًا يتجاوز المسائل الأمنية، ليمتد نحو أسئلة الهوية والمواطنة، وحدود النفوذ السياسي للجماعات العابرة للحدود، وبين خطاب يعتبر الإخوان رأس حربة مشروع أيديولوجي يتغلغل في المجتمع الأميركي، وآخر يراها حركة دينية مضخّمة سياسيًا، تبدو الولايات المتحدة مقبلة على مرحلة جديدة عنوانها من يملك حق تعريف التطرف؟ ومن يحدد خريطة الحلفاء والخصوم داخل الداخل الأميركي ذاته؟
قرارات الولايات.. كسرٌ لاحتكار الفيدرالية في تعريف "التهديد"
إعلان تكساس وفلوريدا تصنيف الإخوان و"كير" كمنظمات إرهابية ليس مجرد خطوة إدارية، بل يعكس تحولًا في فلسفة الأمن الداخلي الأميركية، فعلى مدى عقود، ظل تحديد المنظمات الإرهابية حكرًا على وزارة الخارجية والأجهزة الفيدرالية، لكن دخول الولايات إلى هذا المجال يفتح الباب أمام نموذج جديد من "اللامركزية الأمنية"، حيث تعيد كل ولاية تعريف معايير الخطر وفقاً لقراءة سياسية وأيديولوجية محلية.
ويبدو أن ولايات الجنوب المحافظ تحاول رسم حدود جديدة لمعادلة الأمن القومي، مستفيدة من المزاج الجمهوري المتشدد وتداعيات التوترات الإقليمية.
ويرى مراقبون، أن هذا التحرك قد يدفع ولايات أخرى إلى خطوات مشابهة، ما يضع الإدارة الفيدرالية أمام ضغوط كبيرة للانسجام مع سياق متنامٍ من التصعيد.
انعكاسات فلوريدا.. صدام قانوني متوقع
قرار فلوريدا تحديدًا أثار عاصفة من الجدل بين الخبراء القانونيين، ليس فقط بسبب دلالاته السياسية، بل لأنه يفتح الباب أمام معارك قضائية بين المنظمات الإسلامية والولاية، فتصنيف الإخوان و"كير" إرهابيًا يعني أن تمويل هذه الجهات أو التعامل معها قد يُنظر إليه كجريمة في نظر القانون المحلي، ما يخلق فراغًا تشريعيًا واسعًا بين مستوى الولاية والمستوى الفيدرالي الذي لا يضع الإخوان على قائمة الإرهاب.
وتشير التقديرات، أن معركة القانون والحقوق المدنية ستشتعل في الشهر المقبل، خصوصًا أن "كير" من أبرز اللاعبين في الساحة الحقوقية الأميركية، وتمتلك شبكة قوية من المحامين والناشطين، وهو ما يمهد للصدام بين خطاب يرى في الجماعة تهديدًا بنيويًا، وبين خطاب يدافع عن حرية التنظيم والعمل المدني.
كيف تُعَدّ الأيديولوجيا سببًا رئيسيًا للتصعيد؟
من جانبه، يرى الباحث في شؤون الجماعات الاسلامية، ماهر فرغلي، أن جوهر المشكلة لا يكمن فقط في البنية التنظيمية للإخوان داخل الولايات المتحدة، بل في الرواية الأيديولوجية التي تحملها الجماعة.
هذه الرواية، وفق فرغلي في حديثه لـ"العرب مباشر"، شكلت تاريخياً أرضية مشتركة مع تنظيمات أكثر تطرفًا كداعش والقاعدة وحماس، فالأفكار المؤسسة التي صاغها حسن البنا وسيد قطب القائمة على مفهوم الصراع الحضاري والرغبة في إعادة تشكيل المجتمع وفق منظومة "قيم بديلة"، صنعت جسرًا غير مرئي بين العمل الدعوي والعمل الجهادي.
وبرغم عدم تورط الجماعة في أعمال عنف داخل الولايات المتحدة، إلا أن تقارير استخباراتية سابقة تشير إلى أن بعض الأفراد الذين نفذوا هجمات في أوروبا استلهموا أفكارهم من مراكز وجمعيات تابعة للإخوان.
وهو ما يفسر، وفق خبراء الأمن: "لماذا تُعامل الجماعة كتهديد أيديولوجي عميق وليس كمنظمة إرهابية تقليدية".
شبكات النفوذ.. قراءة في "المشروع الاستيطاني"
يلفت فرغلي إلى أن الإخوان بنوا داخل الولايات المتحدة شبكة مؤسساتية متماسكة تتجاوز 29 منظمة رئيسية، تعمل في المجالات الدعوية والتعليمية والمجتمعية والتمويلية، ويصف نشاطهم بأنه يقوم على عدة محاور أبرزها التوطين السياسي والاجتماعي الذي يشمل إنشاء جيل أميركي-مسلم يحمل رؤية الجماعة ويعيد إنتاجها داخل الدولة، وكذلك المناورة القانونية عبر مؤسسات حقوقية تتولى حماية التنظيم من الرقابة والملاحقة، وتعمل على رفع دعاوى مضادة، بالإضافة إلى تعزيز الهيمنة المؤسسية من خلال السيطرة على المراكز الإسلامية والجامعات والهيئات الطلابية.
هذه المحاور، وفق فرغلي، لم تُبنَ في يوم واحد، بل تراكمت على مدى عقود، ما يجعل تفكيكها اليوم تحديًا مركبًا يتجاوز قدرات الأجهزة الأمنية العادية.
تصنيف الجماعة
في السياق ذاته، يرى الخبير في الشأن الأميركي نعمان أبو عيسى أن المسار الحالي ليس خطوة معزولة، بل امتداد لتدرّج واضح بدأ يتبلور منذ تحرك تكساس نحو إصدار تصنيف خاص بها للجماعة، قبل أن تتوسع الموجة مع قرار حاكم فلوريدا الأخير.
ويشير أبو عيسى في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن وثائق التصنيف في الولايتين تحمل رؤية جديدة تعتبر أن شبكات الإسلام السياسي داخل الولايات المتحدة لم تعد مجرد منظمات مجتمع مدني ذات طابع ديني، بل كيانات تأسست على أفكار تتصل بجذور الإخوان ورموزها الأولى، وتستند إلى مشروع فكري يسعى إلى إعادة تشكيل المجال العام عبر قوالب دينية وأيديولوجية.
ويؤكد أن هذا التصور الذي يتحدث عن "محاولات لفرض أنماط تشريعية أو دينية في الحياة اليومية" دفع الولايات إلى التعامل مع الجماعة بوصفها مصدر تهديد محتمل، ما يفسر هذا الزخم المتصاعد ضد الإخوان واستعداد ولايات أخرى لاتباع النهج ذاته خلال الفترة المقبلة.

العرب مباشر
الكلمات