قوافل الأمل في قلب الجحيم.. هل يكسر الغذاء حصار الموت في غزة؟

قوافل الأمل في قلب الجحيم.. هل يكسر الغذاء حصار الموت في غزة؟

قوافل الأمل في قلب الجحيم.. هل يكسر الغذاء حصار الموت في غزة؟
حرب غزة

وسط أزيز الرصاص وهدير الطائرات، تتسلل شاحنات الوقود والغذاء إلى غزة كأنها تسير فوق جمرٍ مشتعل، لا تحرسها ضمانات دولية، ولا تحميها مواثيق إنسانية، بل تمر في ممرات يعلوها دخان القصف وأشلاء من ينتظرون الخبز، هذه القوافل، رغم شحّها، أصبحت شريانًا هشًا للحياة في قطاعٍ يعاني من حصار مزدوج: نيران الحرب وعتمة المجاعة.

كل شاحنة تدخل تحمل معها جرعة أمل، لكنّها لا تكفي لسدّ فجوة الجوع العميقة ولا لوقف النزيف البشري المتصاعد، في الوقت ذاته، تتكاثر التقارير الدولية التي تحذّر من تجاوز غزة عتبة المجاعة، في حين تسجل المستشفيات يوميًا وفيات جديدة بين الأطفال بسبب الجوع. هل يمكن لهذه المساعدات أن تكسر العزلة؟ وهل بات العالم يكتفي بإحصاء القتلى دون التحرك الجاد لإنقاذ من تبقى.

هل المساعدات تكفي؟


في مشهد بات متكررًا ومؤلمًا، اصطفت عشرات العائلات الفلسطينية في غزة قرب نقاط توزيع المساعدات، بينما يدوي إطلاق النار من حولهم، وبينما كانت الأمم المتحدة توثق لحظات الفوضى والخوف، كانت شاحنتان مصريتان محملتان بـ107 أطنان من السولار تعبران إلى داخل القطاع، وقودٌ كافٍ لتشغيل المخابز والمستشفيات لبضعة أيام، لكنه غير كافٍ لطمأنة سكان غزة إلى أنهم سيستفيقون في الصباح التالي على وجبة أو دواء.

تقول مصادر ميدانية: إن القافلة السادسة القادمة من مصر كانت الأكبر حتى الآن من حيث عدد الشاحنات والمحتوى الإغاثي.

وقد وفرت هذه الشحنة فرصة مؤقتة لإعادة تشغيل بعض القطاعات الحيوية، لا سيما أقسام الطوارئ والعناية المركزة في المستشفيات، إضافة إلى عدد محدود من المخابز التي تنتج الخبز يوميًا لعشرات الآلاف من السكان.

أرقام صادمة


لكن هذه المساعدات ما تزال غير مؤثرة بالشكل الكافي، فبحسب وزارة الصحة في غزة، سجلت المستشفيات خلال 24 ساعة فقط 6 حالات وفاة جديدة بسبب الجوع، ما رفع إجمالي ضحايا المجاعة إلى 175، معظمهم من الأطفال، وتتحدث تقارير أخرى عن إصابات حادة نتيجة الجفاف وسوء التغذية، وسط انهيار كامل في سلاسل التوريد والمياه النظيفة.

وتشير بيانات اليونيسف، أن أكثر من 320 ألف طفل في غزة معرضون الآن لخطر سوء التغذية الحاد، بينما تجاوز معدل سوء التغذية العالمي عتبة الـ16.5%.

هذا الرقم وحده يكشف أن غزة لم تعد فقط ساحة حرب، بل تحوّلت إلى بؤرة مجاعة شاملة، في وقت ما تزال فيه المعابر تفتح بشكل انتقائي ومحدود.

ورغم إدراك المجتمع الدولي لحجم الكارثة، فإن الاستجابة نا تزال متأخرة ومحدودة، فقد أكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للأزمات، حاجة لحبيب، استعدادها لزيارة القطاع والضغط من أجل إدخال مزيد من المساعدات، لكنها أوضحت أن تحرك أوروبا مرهون بموافقة إسرائيل، التي تتحكم عمليًا في مفاتيح دخول أو منع القوافل الإنسانية.

وما يزيد الوضع مأساوية هو استهداف المساعدات ذاتها، فمكتب مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وثق مقتل 1373 فلسطينيًا منذ 27 مايو أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء، معظمهم على أيدي القوات الإسرائيلية. وتشير البيانات أن 514 قتلوا على طول طرق القوافل، و859 آخرين في محيط مراكز التوزيع.

أخطر مكان في العالم


وبينما تحتدم معركة الروايات، ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قائمة بأسماء وأعمار 18500 طفل فلسطينى، قُتلوا فى قطاع غزة منذ اندلاع الحرب بعد هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023.

واعتمدت الصحيفة فى توثيقها على بيانات وزارة الصحة فى غزة، التى تؤكد أنها تستند إلى سجلات المستشفيات والمشارح، إضافة إلى تقارير من عائلات الضحايا، ومصادر إعلامية موثوقة، وفق ما نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وتقول واشنطن بوست: إن بعض الأطفال قُتلوا فى أسرتهم، وآخرون أثناء اللعب، وكثيرون دُفنوا قبل أن يتعلموا المشي، مضيفةً أن غزة باتت أخطر مكان فى العالم على الأطفال، حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف.

وشملت القائمة الأطفال حتى سن الـ 17 عامًا، وتشير الأرقام، أن 915 طفلاً قُتلوا قبل بلوغ عامهم الأول، فى حين سُجل مقتل ما لا يقل عن 800 طفل فى كل سنة، من الفئة العمرية بين 0 و12 عامًا، ونحو 1000 طفل لكل عام من الأعمار بين 13 و17.

من جانبها، ترفض إسرائيل الاعتماد على إحصائيات الصحة فى غزة، وتصفها بـ «ذراع دعائى لحماس»، لكنها لم تقدّم بديلاً دقيقًا، مكتفية بتقديرات تقول فيها: إنها قتلت نحو 20 ألف «عنصر إرهابى»، فيما تقول حماس: إن عدد القتلى فى غزة فاق 60 ألفًا.

استمرار دخول الشاحنات


من جانبه، يقول المحلل الفلسطيني ماهر صافي: إن المشهد الإنساني في قطاع غزة بلغ مستوى كارثيًا غير مسبوق، لم تعد فيه المسألة تتعلق فقط بإغاثة عاجلة أو شحنة مساعدات موسمية، بل نحن أمام انهيار شامل في منظومة الحياة، يطال كل مقومات البقاء: الغذاء، الماء، الدواء، الكهرباء، بل وحتى الأمان الشخصي أثناء تلقي المعونة. 

من هنا، فإن أي نقاش سياسي حول مستقبل غزة أو ترتيبات ما بعد الحرب، لا معنى له ما لم يبدأ من أولوية إنقاذ السكان من المجاعة أولًا.

وأضاف -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن استمرار دخول المساعدات الإنسانية يجب أن يتحول إلى التزام دولي لا يخضع للمساومات أو التنسيق السياسي المشروط.

 يجب أن يُعامل القطاع كمنطقة منكوبة تستدعي استجابة عاجلة ومنتظمة، لا كملف أمني يتوقف على التقديرات العسكرية أو المزاج السياسي للسلطات الإسرائيلية.

وتابع: الأهم، هو تسهيل عمليات إدخال المساعدات، من حيث عدد الشاحنات ونقاط الدخول، ومن خلال ضمانات دولية بعدم استهداف مراكز التوزيع أو قوافل الغذاء، وهو ما يتطلب من مصر ودول الإقليم، ومعها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تنسيق ضغط فعّال لفتح المعابر بشكل دائم وآمن.

إنقاذ أرواح الناس الآن هو واجب أخلاقي وإنساني، ومن دون ذلك، سنواصل عدّ القتلى بدلًا من حماية الأحياء.

سياسات ممنهجة ومدروسة


في السياق ذاته، يقول لؤي الغول مدير نقابة الصحفيين الفلسطينيين: على الرغم من دخول بعض المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما تزال تمارس سياسات القتل المنهجي بحق المدنيين، مستهدفة الجائعين الذين يُساقون نحو ما يُروّج له على أنه مراكز لتوزيع الإغاثة، وهي في الواقع معسكرات موت تُدار بالتنسيق مع شركة أمريكية، مضيفًا، الهدف الحقيقي من هذه المراكز هو استدراج الفلسطينيين بحجة تقديم الغذاء، ثم إطلاق النار عليهم أو اختطافهم، في إطار سياسة مدروسة تستهدف الشباب الفلسطيني بشكل خاص.

وأضاف -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، ورغم دخول الشاحنات من معبر رفح، تُجبر على التوجه إلى معبر كرم أبو سالم بدعوى التفتيش، حيث تقوم سلطات الاحتلال بفحص الشحنات بطريقة بدائية، في تذرع كاذب بالبحث عن مواد تدعم المقاومة، هذا التعطيل ليس إلا جزءًا من برنامج يهدف إلى تجويع الفلسطينيين وقتلهم وإجبارهم على النزوح القسري.

وتابع: أن الاحتلال يسعى لخلق بيئة طاردة للحياة في غزة، من خلال التدمير الممنهج للبنية التحتية، واستهداف النساء والأطفال، والدفع نحو التهجير الجماعي، بما يتماشى مع مخططات مسبقة أعدّتها القيادة السياسية الإسرائيلية بدعم أميركي.

وأشار، أن ما يُقدّمه المسؤولون الأميركيون من صور وهمية في معسكرات الموت، بزعم دعمهم للعمل الإنساني، لا يعدو كونه تضليلًا إعلاميًا لتبييض وجه الاحتلال.