بيروت بين نفوذ طهران وضغط واشنطن.. تمويل حزب الله يهدد بجرّ الجيش إلى مواجهة مع إسرائيل

بيروت بين نفوذ طهران وضغط واشنطن.. تمويل حزب الله يهدد بجرّ الجيش إلى مواجهة مع إسرائيل

بيروت بين نفوذ طهران وضغط واشنطن.. تمويل حزب الله يهدد بجرّ الجيش إلى مواجهة مع إسرائيل
حزب الله

يقف لبنان اليوم على حافة هاوية سياسية وأمنية لا قرار لها، تتقاذفه صراعات النفوذ بين طهران وواشنطن، فيما تتكثّف الغارات الإسرائيلية على الجنوب، وتتصاعد الاتهامات بشأن اختراق حزب الله لمؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، وبينما تتدفق الأموال الإيرانية التي تجاوزت المليار دولار هذا العام إلى الحزب عبر قنوات مموّهة، تتفاقم المخاوف في الداخل والخارج من أن يتحول التداخل بين الجيش والحزب إلى شرارة مواجهة شاملة مع إسرائيل، وفي خضم هذا المشهد المعقد، تبدو الدولة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ قرار واضح، فيما تدور في واشنطن نقاشات حادة حول "الخطة ب" التي قد تمنح إسرائيل الضوء الأخضر لإنهاء المعركة عسكريًا إذا فشلت بيروت في كبح نفوذ الحزب. هذه اللحظة الحرجة قد تحدد ما إذا كان لبنان سيستعيد سيادته أم سيغرق أكثر في فوضى النفوذ الإيراني وتوازنات الخارج.

تمويل إيراني لا يتوقف


تعيش بيروت منذ أشهر على وقع جدل متصاعد حول حجم التمويل الإيراني الذي يتدفق إلى حزب الله وتأثيره العميق على تماسك مؤسسات الدولة اللبنانية، فبحسب تقديرات أميركية حديثة، تجاوزت التحويلات المالية الإيرانية الموجهة للحزب مليار دولار في عام 2025 وحده، وهو رقم يثير تساؤلات حول فعالية العقوبات المفروضة على طهران وقدرتها على الالتفاف عليها عبر شبكات مالية معقدة.

تقرير وزارة الخزانة الأميركية كشف، أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال دخل لبنان عبر المعابر السورية والمرافئ والمطار، في ظل ضعف الرقابة الأمنية، ما جعل من الحزب دولة داخل الدولة تمتلك موارد مالية مستقلة ومؤسسات مصرفية موازية.

ويشير الخبراء إلى أن مؤسسة القرض الحسن، التي تُتهم بأنها الذراع المالية للحزب، تمثل نموذجًا لهذا الاقتصاد الموازي، إذ تعمل خارج نطاق النظام المصرفي الرسمي، وتخضع فقط لإشراف الحزب.

انفجار كارثي


مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية توم حرب، حذّر من أن لبنان بات يواجه اختراقًا خطيرًا لبنيته الأمنية، مؤكدًا وجود تقارير عن استخدام الحزب لشاحنات وسيارات تابعة للجيش اللبناني في نقل عناصره وسلاحه إلى مناطق مختلفة، بما في ذلك شمال البلاد، لتفادي الرصد الإسرائيلي، ويقول حرب: إن هذا “الاختلاط الميداني” يجعل الجيش اللبناني هدفًا محتملاً لأي غارة إسرائيلية، إذ يصعب التمييز بين تحركات الحزب وتحركات الجيش.

ويضيف: أن استمرار هذا التداخل قد يقود إلى انفجار كارثي، خصوصًا مع تصاعد وتيرة الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع الحزب على نحو شبه يومي، وفي حال وقوع خطأ ميداني واحد، قد يجد الجيش اللبناني نفسه في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وهو السيناريو الذي تحذر منه واشنطن بشدة.

في الوقت ذاته، ترى الإدارة الأميركية، أن لبنان ما زال يمتلك فرصة ضيقة لإنقاذ سيادته، شرط اتخاذ خطوات عملية لفصل مؤسسات الدولة عن نفوذ حزب الله. لكن داخل واشنطن نفسها، تتباين المقاربات بين البيت الأبيض والكونغرس ووزارتي الدفاع والخارجية. 

فبينما يدعو بعض المسؤولين إلى دعم الجيش اللبناني وتقويته كحصن ضد الميليشيات، يرى آخرون أن الجيش فشل منذ عام 2006 في كبح تمدد الحزب، وأن إسرائيل وحدها هي التي أضعفت قوته الفعلية عبر العمليات العسكرية.

الخطة ب


هذا الانقسام في الموقف الأميركي تجلّى بوضوح في زيارة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إلى لبنان وإسرائيل في أغسطس الماضي، حيث طرح ما وصفه بـ"الخطة ب"، وهي مقاربة تقوم على السماح لإسرائيل بتوسيع نطاق التصعيد العسكري، إذا لم يبادر الجيش اللبناني إلى تفكيك ترسانة حزب الله، وتؤكد مصادر سياسية لبنانية أن هذا الطرح يحظى بدعم قوي من دوائر الجمهوريين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تعود إلى نهج أقصى الضغوط ضد إيران ووكلائها في المنطقة.

في الداخل اللبناني، تتقاطع الأزمة المالية مع الانسداد السياسي، إذ يرى د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية، أن حزب الله يدرك هشاشة موقع رئاسة الجمهورية وضعف مؤسسات الدولة، ما يتيح له التحكم في القرار السياسي والعسكري معًا.
 
ويصف المنجي في تصريحات لـ"العرب مباشر"، الوضع الحالي بأنه تحالف مصالح بين السلطة والميليشيا، يجعل من أي إصلاح حقيقي شبه مستحيل، ويكرّس تبعية الدولة لـ "قوة تتغذى من الخارج"، على حد تعبيره.

ميزان القوى المختل


من جهته، يرى المحلل السياسي اللبناني فادي عاكوم، أن الأزمة الراهنة في لبنان تمثل انعكاسًا مباشرًا لفشل الدولة في احتكار قرارها السيادي، ويقول: إن استمرار التمويل الإيراني لحزب الله يعني بقاء ميزان القوى الداخلي مختلاً، ما يجعل أي مشروع إصلاحي بلا جدوى.

 ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، حين تتلقى جماعة مسلحة دعمًا يفوق ميزانية وزارات بأكملها، يصبح الحديث عن دولة موحدة ضربًا من الوهم".


ويعتبر عاكوم أن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في التداخل بين الجيش والحزب، بل في “تآكل مفهوم الشرعية” داخل الوعي الشعبي، حيث بات جزء من اللبنانيين يرى في الحزب حاميًا، وجزء آخر يراه عبئًا.

ويرى، أن الولايات المتحدة تراهن على الضغط المالي والسياسي لتفكيك شبكة النفوذ الإيراني، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن أي صدام مباشر قد ينسف ما تبقى من الدولة، ويختم قائلاً: "لبنان اليوم أمام خيار مصيري: إما استعادة قراره الوطني، أو الانزلاق إلى نموذج دولة فاشلة".