تحالف عربي إسلامي يرفض وهم إسرائيل الكبرى.. وخبراء يحذرون من التداعيات
تحالف عربي إسلامي يرفض وهم إسرائيل الكبرى.. وخبراء يحذرون من التداعيات

في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة من حيث حجم الاصطفاف العربي والإسلامي، صدر بيان مشترك عن 31 دولة ومنظمات إقليمية كبرى يندد بما وصفوه بـ"التصريحات الخطيرة" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول رؤيته المعلنة لـ"إسرائيل الكبرى"، فقد أثارت تصريحات نتنياهو، التي عبّر فيها عن تبنّيه لفكرة توسعية تشمل أراضي فلسطينية وأجزاء من دول عربية مجاورة، غضبًا واسعًا، واعتُبرت بمثابة إعلان صريح عن سياسة توسعية تتحدى القانون الدولي وتستفز شعوب المنطقة.
البيان المشترك لم يكتفِ بالإدانة، بل حمل في طياته تحذيرًا صارمًا من تداعيات هذه السياسات على الأمن الإقليمي والدولي، مؤكدًا أن استناد إسرائيل إلى أيديولوجيات دينية متطرفة وعقائد توسعية سيقود إلى مزيد من عدم الاستقرار وربما إلى انفجار جديد للصراع، وفيما تسعى إسرائيل لتكريس وقائع جديدة على الأرض عبر الاستيطان والضم، يبرز البيان كرسالة جماعية تؤكد أن المنطقة ليست مستعدة للسكوت على "أوهام إمبراطورية" تعيد إنتاج نُسخ مشوهة من الاستعمار القديم.
إسرائيل الكبرى
كشفت تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة حول ما يُسمى "إسرائيل الكبرى" عن عمق التوجهات الأيديولوجية التي تحكم مسار حكومته اليمينية المتشددة، وأشعلت في المقابل ردود فعل عربية وإسلامية حادة.
ففي مقابلة متلفزة، أبدى نتنياهو موافقته على خريطة تتجاوز حدود فلسطين المحتلة لتشمل أراضي من الأردن ولبنان وسوريا ومصر، مقدمًا رؤيته كرسالة "تاريخية وروحانية" تتوارثها الأجيال.
هذه التصريحات لم تأتِ من فراغ، بل تزامنت مع مرور خمسين يومًا على قرار الكنيست الإسرائيلي بضم الضفة الغربية، في خطوة وصفت بأنها أخطر حلقات المشروع الاستيطاني.
البيان المشترك الذي وقّعه وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية، إلى جانب جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، اعتبر تصريحات نتنياهو بمثابة تهديد مباشر للأمن القومي العربي واستقرار المنطقة.
وأكد أن ما يطرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي يمثل خروجًا سافرًا على قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يفتح الباب أمام تصعيد خطير في المنطقة التي تعاني أصلاً من نزاعات ممتدة.
مشروع توسعي برؤية أيديولوجية
تاريخيًا، سارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على نهج ثابت يقوم على سياسة فرض الأمر الواقع، وهي استراتيجية اعتمدت على مزيج من القوة العسكرية والإجراءات الإدارية والتشريعية لانتزاع السيطرة على الأرض وتغيير طبيعتها.
فمنذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، تبنت إسرائيل مشروعًا متدرجًا يقوم على بناء المستوطنات وتوسيعها، وتطويق المدن الفلسطينية بجدار الفصل، وتغيير معالم القدس عبر تهجير سكانها الفلسطينيين واستقدام المستوطنين اليهود.
هذه السياسة لم تكن مجرد خطوات عابرة، بل شكّلت الأساس لمخطط طويل الأمد يستهدف إعادة تشكيل البنية الديموغرافية للأراضي المحتلة بما يتوافق مع الرؤية الصهيونية للدولة اليهودية.
إلا أن تصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن "إسرائيل الكبرى" تُمثّل نقلة نوعية أكثر صراحة وجرأة، إذ تكشف للمرة الأولى عن رؤية أيديولوجية متكاملة تستند إلى الأساطير الدينية والتفسيرات التوراتية لتبرير ضم أراضٍ لا تقتصر على فلسطين، بل تمتد لتشمل أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر.
هذا الطرح لا يُنظر إليه كاجتهاد شخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بل كامتداد لتيار فكري داخل اليمين الإسرائيلي يعتبر أن حدود إسرائيل يجب أن تتطابق مع ما يُسمّى "الحدود التوراتية"، وهو ما يجعل المشروع السياسي مرتبطاً بشكل مباشر بالهوية الدينية القومية.
ويشير مراقبون، أن طرح الخرائط التوسعية علنًا ليس مجرد "بالونات اختبار" لقياس ردود الفعل الإقليمية والدولية، بل هو جزء من استراتيجية سياسية تهدف إلى تحقيق جملة أهداف داخلية وخارجية في آن واحد.
داخليًا، يسعى نتنياهو إلى إعادة تعبئة قاعدته اليمينية المتشددة عبر التلويح بمشروع "الخلاص التاريخي"، في وقت يواجه فيه أزمات قضائية وضغوطاً سياسية داخلية، أما خارجيًا، فإن تسويق هذه الرؤية يعكس محاولة لفرض معادلات جديدة على حساب أي تسوية سياسية، عبر تحويل فكرة الاحتلال من واقع مؤقت إلى حقيقة دائمة مدعومة بخطاب عقائدي يضفي عليها صبغة شرعية في نظر جمهور اليمين الإسرائيلي.
الموقف العربي والإسلامي
البيان العربي الإسلامي شدّد على رفضه القاطع لمخططات إسرائيل، مذكرًا بقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2334، الذي أدان بشكل واضح الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية واعتبرها غير قانونية.
كما أعاد التذكير بفتوى محكمة العدل الدولية التي أكدت عدم شرعية الاحتلال ووجوب إنهائه فورًا.
وزراء الخارجية وصفوا تصريحات نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش بأنها "عنصرية متطرفة" لا يمكن السكوت عنها، خاصة مع تزامنها مع إقرار خطط استيطانية جديدة في منطقة E1 المحاذية للقدس، والتي يعتبر تنفيذها بمثابة تقويض كامل لفرص إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
البيان لم يغفل الوضع الميداني، حيث شدّد على رفض "جرائم العدوان الإسرائيلي" في غزة، واصفاً ما يحدث بأنه إبادة جماعية وتطهير عرقي، وطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وسحب قواتها من القطاع تمهيدًا لبدء عملية إعادة الإعمار، مع التأكيد على أن السلطة الفلسطينية هي الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بتولي الحكم في غزة والضفة معًا.
البيان وجه رسالة مباشرة إلى القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لتحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، إذ يرى الموقعون أن الصمت الدولي أو الاكتفاء بردود الفعل اللفظية يمنح إسرائيل ضوءًا أخضر للمضي في مشاريعها.
وفي المقابل، فإن بناء موقف دولي أكثر صرامة سيشكل نقطة ارتكاز لردع أي محاولات إسرائيلية لتغيير الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة.
إفلاس سياسي
من جانبه، يقول يرى د. أحمد فؤاد أنور، خبير الشؤون الإسرائيلية: إن تصريحات بنيامين نتنياهو حول ما يُسمى بـ"إسرائيل الكبرى" تمثل تطورًا بالغ الخطورة في الخطاب السياسي الإسرائيلي، لأنها تنقل الطموحات التوسعية من مستوى الممارسة الميدانية غير المعلنة إلى مستوى الإعلان العلني والمباشر.
ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن نتنياهو لم يكتفِ بالتمسك بخطط الاستيطان في الضفة الغربية أو محاولات تكريس السيطرة على القدس، بل تجاوز ذلك إلى تبنّي رؤية توسعية عابرة للحدود تستند إلى مبررات دينية وأسطورية.
ويؤكد أن هذا الطرح يعكس محاولة واضحة لتغذية النزعة القومية– الدينية لدى الشارع الإسرائيلي، واستثمار حالة الاستقطاب الداخلي، حيث يجد نتنياهو في هذا الخطاب وسيلة لإعادة حشد اليمين المتشدد خلفه.
كما يشير إلى أن خطورة هذه الرؤية تكمن في أنها تستهدف تقويض أي إمكانية لتسوية سياسية عادلة، وتعيد الصراع إلى نقطة الصفر عبر نزع الشرعية عن الوجود الفلسطيني نفسه، بل وعن الحدود القائمة لدول الجوار.
واختتم أنور حديثه قائلًا: رغم ما سبق إلا أن تصريحات نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى" ما تزال تندرج تحت بند الإفلاس السياسي ومحاولة لدغدغة مشاعر اليمين المتطرف، لافتًا إلى أن إسرائيل "تعجز عن حماية حدود 1948 فكيف تزعم التوسع خارجها".
مضيفًا، أن هذه الطروحات ليست سوى حرب نفسية في ظل فشل نتنياهو في حسم معركة غزة أو إجبار المقاومة على الاستسلام، مشيرًا أن تجارب قادة اليمين السابقين، من بيجن إلى شارون، انتهت جميعها بالانسحاب والتراجع لا بالتمدد والسيطرة.