مرحلة ثانية مؤجلة… هل ينجو اتفاق غزة من الانهيار؟
مرحلة ثانية مؤجلة… هل ينجو اتفاق غزة من الانهيار؟
تعيش غزة لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية، حيث يقف اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن على خط رفيع بين الاستمرار نحو مرحلة أكثر استقرارًا، أو الانهيار تحت وطأة الخروقات والتصريحات المتشددة، فبين تفجير غامض في رفح، وتهديدات متصاعدة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومحاولات حماس تثبيت الهدنة رغم الضغوط، يبدو المشهد كأنه سباق بين من يريد إنقاذ الاتفاق ومن يدفعه نحو الهاوية، وفي خلفية ذلك كله تطل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برؤية تقوم على المرونة السياسية ومقاربة فن الصفقة، مع تركيز على النتائج العملية أكثر من الالتزام الحرفي بالنصوص السياسية.
خروقات تُهدد المسار
يشير محللون سياسيون إلى أن الخطاب الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، وخصوصًا تصريحات نتنياهو وقيادة الجيش، يعكس ميلًا واضحًا للضغط على الاتفاق وربما إعادة صياغته بما يخدم رؤية تل أبيب للمرحلة المقبلة.
ويرى د. محمد المنجي أن ما يجري يمثل عمليًا انقلابًا سياسيًا تدريجيًا على اتفاق وقف النار، لافتًا إلى أن حماس قدّمت التزامًا دقيقًا ببنود المرحلة الأولى، بينما استمرت إسرائيل في تنفيذ إجراءات ميدانية أثارت شكوكًا حول نيتها في الالتزام طويل الأمد.
ويؤكد المنجي - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن استمرار الخروقات دون ردع دولي قد يقود لتصعيد غير محسوب، ما يجعل دور الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، أمرًا حاسمًا ليس فقط لحماية الاتفاق، بل لمنع المنطقة من الانزلاق إلى موجة عنف جديدة.
حماس بين حماية التهدئة وتحديات الميدان
في المقابل، تحاول حماس تقديم نفسها كطرف حريص على إنجاح الاتفاق لا بوصفه تنازلًا، بل باعتباره خيارًا ضروريًا للحفاظ على المدنيين وتحسين الظروف الإنسانية، وتتعامل الحركة بحذر مع حادثة الانفجار قرب رفح، معتبرة أنها إما نتيجة بقايا ألغام، أو نشاط إسرائيلي داخلي، أو ربما محاولة لخلق ذريعة للتصعيد.
وتشير أوساط فلسطينية إلى أن الحركة تدرك أن أي انفلات أمني قد يعطي إسرائيل مبررًا لتغيير قواعد اللعبة، لذلك تسعى إلى تثبيت التهدئة، واستكمال ملفات تسليم الأسرى والجثث، والتقدم نحو المرحلة الثانية التي يفترض أن تشمل انسحابًا أوسع وإعادة هيكلة الإدارة المدنية تمهيدًا لإعادة الإعمار.
إسرائيل تكسر المعادلة
يبقى الموقف الإسرائيلي عنصر الاضطراب الأبرز، فحكومة نتنياهو، بحسب مراقبين، لا ترغب في المضي قدمًا دون تعديل شروط المرحلة الثانية بما ينسجم مع رؤيتها الأمنية والسياسية، ورغم القوة المفرطة التي استخدمتها تل أبيب خلال الحرب، فإنها لم تنجح في تحقيق مكاسب استراتيجية حاسمة على الأرض، بينما ظل المجتمع الفلسطيني متماسكًا إلى حد كبير، مع بقاء الفصائل المسلحة قادرة على فرض كلفة لأي مغامرة عسكرية واسعة.
ويرى المنجي أن إسرائيل تحاول اليوم إدارة ملف غزة كجزء من مشروع سياسي أشمل، يرتبط بالضفة الغربية وبمحددات صفقة القرن، وهو ما يرفضه الفلسطينيون، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة المجتمع الدولي على منع فرض واقع أحادي جديد.
ترامب سياسة الصفقة الممكنة
من زاوية أمريكية، مسعود معلوف، خبير في الشؤون الأمريكية، يرى أن إدارة ترامب تتحرك وفق نهج مرن يفضّل النتائج العملية على الشعارات السياسية الكبرى، فالإدارة كما يقول تتعامل مع الاتفاق باعتباره إطارًا قابلًا للتعديل كلما اقتضت الظروف، ما دامت النتيجة النهائية تمنع الانفجار الكبير وتحافظ على الاستقرار النسبي.
ويرى معلوف أن قضية نزع سلاح حماس تظل العقدة الأبرز في أي تسوية قادمة، إذ إن أي محاولة لفرضها بالقوة تعني فتح الباب لحرب شاملة، بينما يبدو الخيار الواقعي حاليًا هو منع العودة إلى المواجهة، وإبقاء التوازن الهش بين الأطراف.
في المحصلة، يبدو حل الدولتين بعيدًا عن متناول اللحظة السياسية الراهنة، في ظل حسابات الأحزاب الإسرائيلية وتعقيدات الداخل الفلسطيني. ومع ذلك، لا تُغلق واشنطن الباب أمام الفكرة، لكنها تفضل الآن إدارة الصراع بدل حله جذريًا.

العرب مباشر
الكلمات