محلل في شؤون الجماعات الإرهابية: أوروبا تتحرك متأخرة لمواجهة تمدد الإخوان داخل مجتمعاتها
محلل في شؤون الجماعات الإرهابية: أوروبا تتحرك متأخرة لمواجهة تمدد الإخوان داخل مجتمعاتها
في خطوة تعكس تغيرًا واضحًا في سياسة دول الاتحاد الأوروبي تجاه التنظيمات المتطرفة، تتجه عواصم عدة أوروبية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد تنظيم الإخوان، بعد تصاعد التحذيرات من تغلغل نفوذ التنظيم داخل الجاليات المسلمة ومؤسسات المجتمع المدني في القارة.
خلال الأشهر الماضية، شهدت أوروبا سلسلة تحركات تشريعية وأمنية تستهدف الحد من انتشار التنظيم، بدأت من برلين التي أعلنت تشديد الرقابة على الجمعيات والمراكز المرتبطة بالإخوان، مرورًا بفيينا التي صنفت التنظيم ضمن الكيانات المؤثرة على الأمن القومي، وصولًا إلى باريس التي كثفت الرقابة على التمويلات الخارجية والأنشطة الدعوية المشبوهة.
وتشير تقارير أمنية أوروبية إلى أن التنظيم استغل لسنوات طويلة مناخ الحرية السياسية في أوروبا لتأسيس شبكات تمويل ومنظمات واجهة تعمل في مجالات التعليم والعمل الخيري، لكنها تُستخدم في الوقت نفسه لتعزيز نفوذه السياسي والفكري، وهو ما دفع أجهزة الأمن إلى إعادة تقييم تعاملها مع هذه الكيانات.
كما عقدت لجان برلمانية أوروبية عدة جلسات استماع لمناقشة ما وُصف بـ"الاختراق الإخواني" داخل المؤسسات المحلية، محذرة من خطورة ترك هذه الشبكات دون رقابة باعتبارها قد تتحول إلى أدوات تعبئة سياسية تتعارض مع قيم الدولة المدنية.
في ألمانيا، قال مسؤولون في هيئة حماية الدستور إن أنشطة التنظيم "لا تقل خطورة عن التيارات المتشددة الأخرى"، مؤكدين أن الإخوان يعتمدون نهجًا ناعمًا يقوم على التأثير الاجتماعي والسياسي بدلًا من العنف المباشر، وهو ما يجعل رصدهم أكثر تعقيدًا.
وفي فرنسا، جددت الحكومة تأكيدها على المضي قدمًا في سياسة "محاصرة الإسلام السياسي"، عبر إغلاق مراكز مرتبطة بالتنظيم وتشديد الرقابة على الجمعيات المشبوهة، مع التركيز على التدقيق في مصادر التمويل والتأكد من توافقها مع القوانين الفرنسية.
ويرى محللون أن هذا التحول الأوروبي جاء بعد تراكم مؤشرات على خطورة مشروع التنظيم داخل القارة، خصوصًا مع تنامي نشاطه السياسي واستغلاله قضايا الهوية والاندماج لكسب شرائح من الشباب.
وبحسب الخبراء، فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من التنسيق بين دول أوروبا لتطوير آليات مشتركة للحد من انتشاره، سواء عبر القوانين، أو تبادل المعلومات الأمنية، أو تجفيف مصادر التمويل.
وبينما يرحب مراقبون بهذه الخطوة باعتبارها تأخرت لسنوات، يحذر آخرون من ضرورة الحفاظ على التوازن بين مكافحة التطرف وضمان حقوق الجاليات المسلمة، حتى لا تتحول هذه الإجراءات إلى سبب لارتفاع موجات اليمين المتطرف في القارة.
وأكد الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية إبراهيم ربيع أن التحركات الأوروبية الأخيرة ضد تنظيم الإخوان تمثل تحولًا مهمًا في إدراك العواصم الأوروبية لخطر التنظيم، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن هذه الخطوات جاءت "متأخرة سنوات طويلة" سمح خلالها الإخوان ببناء شبكات نفوذ واسعة داخل القارة.
وقال ربيع - في تصريحات لـ "العرب مباشر" - إن تنظيم الإخوان اعتمد طوال العقود الماضية على استراتيجية "التغلغل الهادئ" داخل المجتمعات الأوروبية عبر الجمعيات الثقافية والمراكز الإسلامية والمنظمات الخيرية، وهي كيانات تبدو ظاهريًا خدمية لكنها في الواقع تعمل –بحسب وصفه– كأذرع لنشر أفكار التنظيم وجذب عناصر جديدة.
وأضاف أن أجهزة الأمن الأوروبية بدأت حديثًا فقط تكتشف حجم التشابكات المالية والإدارية بين هذه المؤسسات، بعد تقارير أكدت تلقي بعضها تمويلات خارجية مشبوهة تُستخدم في دعم أنشطة ذات طابع سياسي تتعارض مع قوانين الدول الأوروبية.
وأشار ربيع إلى أن المراجعات التي تقوم بها ألمانيا وفرنسا والنمسا تمثل "مرحلة ضرورية"، خاصة مع التحذيرات التي أطلقتها لجان برلمانية أوروبية حول محاولات التنظيم التأثير على الجاليات المسلمة وتوجيهها سياسيًا بما يخدم أجندته.
ولفت الخبير المتخصص إلى أن الإخوان نجحوا في استغلال شعارات الحرية وحقوق الإنسان في أوروبا لتأسيس وجود مؤسسي وقانوني، كان من الصعب التصدي له بدون أدلة قوية، وهو ما جعل التدخل الأمني والتشريعي يستغرق وقتًا طويلًا.
وأكد ربيع أن المرحلة المقبلة ستشهد "تصعيدًا أوروبيًا" في التعامل مع التنظيم، يشمل إغلاق مراكز مشبوهة، وتجميد حسابات مالية، ومنع أنشطة دعوية يُشتبه في استخدامها للتحريض أو التجنيد، إلى جانب تعزيز التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية لتبادل المعلومات حول شبكات التنظيم.
وختم قائلاً إن مواجهة الإخوان في أوروبا "لن تكون أقل تعقيدًا من مواجهة الجماعات العنيفة"، لأن التنظيم –بحسب قوله– يجيد التحرك في المساحات الرمادية، ويستخدم الأدوات القانونية والإعلامية لتحقيق مكاسبه، وهو ما يتطلب وعيًا سياسيًا وأمنيًا طويل المدى من الدول الأوروبية.

العرب مباشر
الكلمات