«الصدر» يعلن المقاطعة: الانتخابات بلا إصلاح بيع جديد للوطن.. ما التداعيات؟

«الصدر» يعلن المقاطعة: الانتخابات بلا إصلاح بيع جديد للوطن.. ما التداعيات؟

«الصدر» يعلن المقاطعة: الانتخابات بلا إصلاح بيع جديد للوطن.. ما التداعيات؟
مقتدي الصدر

قبل أيام من توجه العراقيين إلى صناديق الاقتراع لاختيار برلمان جديد، عاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى واجهة المشهد السياسي برسالة صريحة حملت لهجة دينية ووطنية في آن واحد، دعا فيها أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات المرتقبة، موقف الصدر، الذي وصفه بـ"الطاعة لله ورسوله وأولي الإصلاح"، يعيد طرح أسئلة جوهرية حول شرعية العملية الانتخابية، ومستقبل النظام السياسي الذي يراه الصدر غارقًا في الفساد والتبعية للخارج، وفي حين يتهيأ خصومه لخوض معركة صناديق حاسمة قد تعيد رسم خريطة القوى في بغداد، يصرّ الصدر على أن "المقاطعة" هي طريق الإصلاح لا الاستسلام، وأن الامتناع عن التصويت موقفٌ أخلاقي بقدر ما هو سياسي.

 وبين الدعوات إلى المشاركة والتحذيرات من العزوف، يجد العراق نفسه مرة أخرى أمام مفترق طرق بين تجديد النظام أو هدم الثقة به نهائيًا.

مقاطعة الانتخابات


جدّد مقتدى الصدر، أحد أبرز الوجوه الدينية والسياسية في العراق، دعوته إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر الجاري، مؤكدًا أن قراره نابع من "إيمان ديني ووطني" لا من حسابات سياسية آنية. 

وقال -في بيان نشره على منصة إكس-: إن المقاطعة "ليست هروبًا من المسؤولية، بل موقف إصلاحي نابع من رفض الفساد وتبعية القرار العراقي للخارج".

يأتي هذا الموقف امتدادًا لموقف سابق اتخذه الصدر منذ إعلان موعد الانتخابات، حيث اعتبر أن الظروف السياسية الحالية لا تتيح تنافسًا نزيهًا، وأن القوى المتنفذة ما زالت تسيطر على مفاصل الدولة عبر المال السياسي والسلاح المنفلت، ويرى أن خوض الانتخابات في ظل هذه البيئة يعني "إعادة تدوير الفساد نفسه بوجوه جديدة".

التيار الصدري، الذي يعد من أكثر الكتل الشعبية تنظيمًا وتأثيرًا في الشارع، كان قد فاز في انتخابات عام 2021 بأغلبية مريحة مكّنته من تشكيل تحالف واسع عُرف باسم "إنقاذ وطن"، إلا أن الانقسامات الداخلية وصدامه مع الإطار التنسيقي – التحالف الشيعي المنافس – أديا إلى انسحاب نوابه من البرلمان منتصف عام 2022، في خطوة أحدثت فراغًا سياسيًا كبيرًا ما زالت تداعياته حاضرة حتى اليوم.

الهيمنة الأمريكية


الصدر في رسالته الأخيرة استخدم لغة رمزية مفعمة بالدين والوطنية، إذ وصف أنصاره بأنهم "بل هم كالشمس والقمر دائبون طائعون لا يفترون ولا للدنيا يطلبون ولا لمشاركة الفساد يرغبون بل عنه يرغبون"، في إشارة إلى أن التيار لا يسعى إلى المناصب بقدر ما يناضل ضد "الفاسدين والراكعين للأجنبي"، على حد تعبيره.

وأضاف: أن "الوطن أغلى من أن يُباع للفاسدين والتبعيين"، في انتقاد مباشر لما وصفه بـ"الهيمنة الأميركية" و"تدخل ممثل ترامب الذي جاء لفرض إملاءاته على السياسيين".

تصريحات الصدر تأتي في وقت تشهد فيه البلاد حالة من الحذر السياسي، وسط توقعات بانخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة بسبب الإحباط المتزايد من أداء الطبقة السياسية.

ويرى مراقبون، أن مقاطعة التيار الصدري – الذي يمثل كتلة انتخابية وازنة – قد تُضعف من شرعية النتائج المنتظرة وتزيد من الانقسام في الشارع الشيعي، خاصة أن أنصار الصدر يُعدّون من الأكثر حماسة وقدرة على الحشد الجماهيري.

من جهة أخرى، تحاول الحكومة العراقية تأكيد أن العملية الانتخابية ستكون "شفافة وآمنة"، وأعلنت وزارة الداخلية أنها لن تفرض حظرًا شاملًا أو جزئيًا للتجوال يوم الاقتراع، في محاولة لتسهيل المشاركة وضمان سير العملية بسلاسة.

لكن هذه الإجراءات تبدو، في نظر كثيرين، غير كافية لاستعادة الثقة المفقودة في النظام السياسي الذي تكرّست فيه المحاصصة والفساد منذ عام 2003.

ويرى محللون، أن خطاب الصدر الأخير يمثل محاولة لإعادة تثبيت صورته كزعيم إصلاحي ومخلص وطني بعد انسحابه من البرلمان وتراجعه عن الأضواء خلال العامين الماضيين، فالمقاطعة بالنسبة له ليست انسحابًا بقدر ما هي "تطهير للصفوف" استعدادًا لمرحلة قادمة قد يعود فيها التيار إلى المشهد بقوة متجددة.

توزيع موازين القوى


من جانبه، يرى الدكتور علاء مصطفى المحلل السياسي العراقي،  أن غياب مقتدى الصدر عن المشهد الانتخابي لا يمثل مجرد موقف احتجاجي عابر، بل هو تطور استراتيجي ستكون له تداعيات عميقة على مستقبل النظام السياسي العراقي برمّته.

 فالصدر، بحسب مصطفى، لا يُعد زعيمًا دينيًا فحسب، بل هو حالة جماهيرية مؤثرة تمتلك القدرة على تحريك الشارع وتوجيه الرأي العام، وابتعاده عن صناديق الاقتراع يعني غياب كتلة انتخابية ضخمة لطالما كانت عنصر توازن بين التيارات الشيعية المتنافسة.

ويضيف مصطفى في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن مقاطعة الصدر ستؤدي إلى إعادة توزيع موازين القوى داخل الساحة الشيعية لصالح الإطار التنسيقي، وهو ما قد يُنتج برلمانًا أحادي اللون يفتقر إلى التوازن والرقابة الشعبية، كما أن هذا الغياب سيضعف شرعية العملية الانتخابية في نظر شريحة واسعة من العراقيين الذين يرون في الصدر رمزًا للنزاهة الوطنية.

ويرجّح مصطفى، أن الصدر يسعى من خلال المقاطعة إلى إعادة تموضع التيار الصدري خارج النظام التقليدي، بانتظار لحظة انهيار الثقة العامة ليعود مجددًا كمنقذ وطني، لكنه في المقابل يحذر من أن هذا الغياب قد يترك فراغًا سياسيًا وأمنيًا خطيرًا، قد تستغله قوى متشددة أو أطراف خارجية لتوسيع نفوذها داخل العراق.