إعلان نيروبي.. محاولة مدنية أخيرة لوقف الحرب وإعادة تعريف الصراع في السودان
إعلان نيروبي.. محاولة مدنية أخيرة لوقف الحرب وإعادة تعريف الصراع في السودان
في تطور سياسي لافت يعكس إعادة تشكل المعسكر المدني السوداني بعيدًا عن الاصطفافات التقليدية، وقعت قوى سياسية ومدنية مناهضة للحرب، ضمن تحالف «صمود»، في العاصمة الكينية نيروبي، إعلان مبادئ مشترك مع حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، إلى جانب حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)، في خطوة وُصفت بأنها الأوسع من حيث التمثيل المدني منذ اندلاع الحرب، والأكثر وضوحًا في تحميل المسؤولية السياسية عما آلت إليه الأوضاع في السودان.
الاتفاق جاء بعد أشهر من المشاورات والاتصالات غير المعلنة، ويعكس سعيًا مدنيًا لتجاوز حالة التشتت، وبناء كتلة سياسية قادرة على مخاطبة الداخل والخارج برؤية موحدة، ترى أن الحرب لم تعد أزمة عسكرية عابرة، بل نتيجة تراكمات طويلة من الإقصاء والانقلابات وهيمنة الأيديولوجيا على الدولة.
إعلان مبادئ يتجاوز وقف الحرب
وبحسب مراقبين، لا يطرح إعلان نيروبي وقف القتال كهدف تقني محدود، بل يقدّمه كمدخل لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. فالنص يضع الوقف الفوري للحرب على رأس الأولويات الوطنية، مع التأكيد على ضرورة ممارسة ضغوط إقليمية ودولية مكثفة على طرفي النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، للالتزام بخارطة الطريق التي طرحتها دول الرباعية الدولية، والتي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر.
كما شدد الإعلان على التنفيذ العاجل لمقترح هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، باعتبارها ضرورة أخلاقية وسياسية في آن واحد، تمهيدًا لوقف دائم لإطلاق النار دون شروط، بما يفتح المجال أمام معالجة الجراح الإنسانية التي خلّفتها الحرب.
الحركة الإسلامية.. من مطلب ثوري إلى توافق سياسي
وفي قراءة تحليلية لدلالات الإعلان، قال المحلل السياسي السوداني مجدي عبدالعزيز، في حديثه لـ«العرب مباشر»: إن المطالبة بتصنيف الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني كتنظيمات إرهابية ليست طارئة، بل تعود إلى ما بعد ثورة ديسمبر، حين كانت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ترفع هذا المطلب بوضوح.
وأوضح عبدالعزيز، أن التحول اللافت اليوم يتمثل في انتقال هذا الطرح من دائرة قوى محدودة إلى إجماع مدني واسع، ما يعكس تطورًا في الوعي السياسي، وإدراكًا متزايدًا بأن أي عملية سلام لا يمكن أن تنجح دون معالجة الجذور التي غذّت الحرب وأعاقت الانتقال الديمقراطي.
معسكر السلام في مواجهة مصالح الحرب
من جانبه، يرى المحلل السياسي السوداني الدكتور سامر التيجاني، أن الإعلان يعكس انقسامًا حادًا داخل المشهد السوداني بين معسكر يعمل على إنهاء الحرب وتجفيف منابعها، وآخر يتمسك باستمرارها باعتبارها وسيلة للحفاظ على النفوذ والمصالح السياسية.
وفي حديثه لـ«العرب مباشر»، أكد التيجاني، أن القوى المدنية تسعى، عبر هذا التوافق، إلى نزع أي غطاء شعبي عن طرفي الصراع المسلح، وتكريس خطاب عام يحمّل الحرب مسؤولية الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، ويضع السلام بوصفه المطلب الشعبي الأول.
خارطة طريق متعددة المسارات
ويشير مراقبون، أن إعلان المبادئ يطرح خارطة طريق تقوم على مسارات متوازية، تعكس إدراكًا لتعقيد الواقع السوداني. فالمسار الإنساني يتقدم بخطوات عاجلة لتأمين المساعدات وحماية المدنيين، بينما يركز المسار الأمني على وقف شامل لإطلاق النار يحد من الانفلات العسكري، في حين يفتح المسار السياسي الباب أمام عملية شاملة تؤسس لتحول ديمقراطي حقيقي.
هذا التوازي، بحسب محللين، يمثل محاولة لتجاوز فشل مبادرات سابقة راهنت على التسلسل الزمني، واصطدمت بواقع ميداني معقد لا يحتمل الحلول المؤجلة.
الكلفة الإنسانية تضغط على أي تسوية
على المستوى الإنساني، تفرض الأرقام نفسها بقوة على أي نقاش سياسي. فالحرب تسببت في نزوح أكثر من 15 مليون شخص داخل السودان، ولجوء ما يزيد على 4 ملايين إلى دول الجوار، بينما يواجه نحو 25 مليون سوداني مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.
ويرى محللون، أن هذه المؤشرات لا تعكس فقط عمق المأساة، بل تضع المجتمع الدولي أمام اختبار جدي يتجاوز إدارة الأزمة إلى السعي لإنهائها.
سياق تاريخي من الإقصاء والانقلابات
في خلفية المشهد، تعيد القوى المدنية التذكير بسياق تاريخي طويل من الإقصاء عن الحكم، حيث خضع السودان لهيمنة أنظمة عسكرية متعاقبة لأكثر من 58 عامًا، بينما لم تحكم القوى المدنية إلا لفترات محدودة، غالبًا ما انتهت بانقلابات.
وبرغم الملاحقات والتشريد، ظلت هذه القوى حاضرة في المجال العام، متحالفة مع النقابات ومنظمات المجتمع المدني، في مواجهة منظومة حكم اعتمدت على التمكين والسيطرة على القرارين العسكري والأمني، خصوصًا خلال العقود الثلاثة التي تلت انقلاب 30 يونيو 1989.

العرب مباشر
الكلمات