واشنطن تضيق الخناق على المال الإيراني.. مليار دولار لحزب الله رغم الحصار المالي

واشنطن تضيق الخناق على المال الإيراني.. مليار دولار لحزب الله رغم الحصار المالي

واشنطن تضيق الخناق على المال الإيراني.. مليار دولار لحزب الله رغم الحصار المالي
حزب الله

في الوقت الذي تتعثر فيه طهران تحت وطأة العقوبات الدولية، تواصل واشنطن تتبع خيوط المال الذي يتدفق من إيران إلى أذرعها في المنطقة، الجديد هذه المرة ليس في الأرقام وحدها، بل في اللحظة السياسية التي تراها الإدارة الأميركية "فرصة نادرة" لتقليص نفوذ حزب الله في لبنان، بعدما تراجعت قدراته العسكرية بفعل الغارات الإسرائيلية المتواصلة، وتدهور الدعم المالي الإيراني، وبينما يعلن كبار مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية أن أكثر من مليار دولار وصلت إلى الحزب خلال عام 2025 رغم القيود الصارمة، تبدو واشنطن عازمة على تحويل الضغط المالي إلى ورقة سياسية تسعى من خلالها لتجريد حزب الله من سلاحه، هذا التحرك، الذي يتقاطع مع جولة إقليمية لمسؤول أميركي رفيع، يعيد خلط أوراق النفوذ الإيراني في المشرق، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل التوازن الداخلي في لبنان بين الدولة والفصائل المسلحة.

تفكيك شرايين التمويل

في تصريحات تعكس عودة إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى سياسة "القبضة الحديدية" حيال طهران، كشف جون هيرلي، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، أن إيران حولت نحو مليار دولار إلى حزب الله خلال عام 2025، رغم ما وصفه بـ"أشد نظام عقوبات فرض على دولة في التاريخ الحديث".

وقال هيرلي، في مقابلة مع وكالة رويترز أجريت في إسطنبول ضمن جولته الشرق أوسطية: إن واشنطن ترى في الساحة اللبنانية "نافذة ضغط مثالية" بعد أن تراجعت القدرات العسكرية لحزب الله، إثر سلسلة ضربات إسرائيلية قضت على معظم مخازن السلاح والبنية التحتية اللوجستية جنوب لبنان.

وأضاف: أن وزارة الخزانة الأميركية تعمل على "تفكيك شرايين التمويل" التي تربط طهران بوكلائها، مشيرًا إلى أن بلاده تركز على تتبع مسارات التحويل المالي عبر البنوك الإقليمية والتبادلات الرقمية المشفرة.

عقوبات جديدة


وفي الأسبوع نفسه، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على شخصين لبنانيين بتهمة تسهيل التحويلات المالية لصالح حزب الله، في خطوة وصفها مراقبون بأنها مقدمة لحملة أوسع تستهدف المؤسسات المالية وشركات الصرافة المرتبطة بالحزب.

هيرلي شدد على أن "لبنان أمام فرصة سانحة اليوم لتحرير نفسه من قبضة حزب الله"، مضيفًا: "إذا نجحنا في تجفيف المنابع المالية التي تغذي الحزب، فإن اللبنانيين سيتمكنون من استعادة دولتهم ومؤسساتهم".

هذا التحرك الأميركي يأتي في لحظة تشهد فيها العلاقات بين واشنطن وطهران توترًا متصاعدًا، خصوصًا بعد انهيار المحادثات النووية في سبتمبر الماضي، وإعادة فرض عقوبات أممية على إيران شملت قطاعات الطاقة والمال والنقل.

ورغم محاولات طهران الالتفاف على الحصار عبر توثيق علاقاتها التجارية مع الصين وروسيا ودول آسيوية أخرى، إلا أن مواردها الدولارية تراجعت بشكل حاد، ما جعل تحويل مليار دولار إلى حزب الله خطوة تحمل دلالات سياسية بقدر ما تعكس تحديًا للعقوبات الغربية.

نزع السلاح


في المقابل، تواصل إسرائيل حملتها الجوية ضد مواقع الحزب في الجنوب اللبناني، متذرعة بمحاولاته إعادة بناء ترسانته العسكرية، الغارات، التي باتت شبه يومية، أضعفت البنية العسكرية للحزب لكنها لم تنجح في إنهاء وجوده السياسي والعقائدي، حيث ما يزال يُعد أحد أبرز القوى الممثلة في البرلمان والحكومة اللبنانية.

الحكومة اللبنانية من جانبها، تؤكد التزامها بـ"نزع سلاح كل المجموعات غير التابعة للدولة"، لكنها تصطدم بواقع داخلي معقد يجعل أي خطوة في هذا الاتجاه محفوفة بالمخاطر. فالحزب، الذي نشأ برعاية الحرس الثوري الإيراني عام 1982، ما يزال يمتلك قاعدة شعبية واسعة في الجنوب والبقاع، ويُقدّم نفسه كحركة مقاومة لا كميليشيا.

ويرى محللون في تصريحات لـ"فرانس برس"، أن ما تسعى إليه واشنطن لا يقتصر على تحجيم حزب الله ماليًا، بل يشمل إعادة صياغة المعادلة اللبنانية بكاملها، بحيث تصبح بيروت ساحة اختبار جديدة للنفوذ الإيراني، بعد أن تراجعت قدرة طهران على المناورة في العراق وسوريا واليمن.

ويشير دبلوماسيون، إلى أن واشنطن تراهن على أن استمرار الضغط المالي سيفاقم الانقسام داخل الحزب بين جناحه العسكري والسياسي، خصوصًا مع تضاؤل الموارد التي كانت تُستخدم لدفع رواتب المقاتلين وتمويل الخدمات الاجتماعية التي يقدمها، وفقًا لـ "فرانس برس".

لكن طهران، التي تصف هذه الخطوات بأنها "حرب اقتصادية"، تعتبر أن دعمها لحزب الله "جزء من استراتيجية الردع الإقليمي"، وأن استمرار تدفق الأموال رغم العقوبات يُعدّ دليلاً على فشل واشنطن في عزلها.


في المقابل، يرى بعض المراقبين، أن الولايات المتحدة تواجه تحديًا مضاعفًا: فهي تسعى لتجفيف مصادر تمويل الحزب دون التسبب في انهيار مالي كامل للبنان، الذي يعيش واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية، ويعتمد على تحويلات المغتربين والقطاع المصرفي المتعثر.

وهكذا، يبدو أن المعركة المقبلة بين واشنطن وطهران لن تُخاض في مفاعلات تخصيب اليورانيوم فقط، بل أيضًا في دهاليز المصارف اللبنانية، حيث تسعى الأولى لتفكيك "الاقتصاد الموازي" الذي بناه حزب الله عبر شبكات محلية وإقليمية معقدة.

تجفيف الشرايين المالية


يقول المحلل السياسي اللبناني، مصطفى علوش: إن الحرب المالية ضد حزب الله ليست مجرد مسألة عقوبات، بل "صراع على هوية لبنان الاقتصادية والسياسية". 

ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، الولايات المتحدة تدرك أن أي مواجهة عسكرية مباشرة مع الحزب ستنعكس فوضى إقليمية، لذلك تحولت إلى استخدام المال كسلاح أكثر فاعلية وأقل تكلفة.

ويتابع علوش، أن واشنطن تسعى إلى خنق القنوات غير الرسمية التي تموّل الحزب، من تحويلات المغتربين إلى شركات الصرافة والجمعيات الخيرية، معتبرًا أن "تجفيف هذه الشرايين المالية" سيؤدي تدريجيًا إلى إضعاف قدرة الحزب على الحفاظ على شبكته الاجتماعية والعسكرية.

لكنه يحذر من أن إضعاف حزب الله ماليًا لا يعني تلقائيًا استقرار لبنان، إذ قد يؤدي ذلك إلى زيادة الفقر والتوترات الطائفية إذا لم تُرفق الحملة الأميركية بخطة دعم اقتصادي للبنان.