تريبولسكايا في الظلام وكييف في الفوضى.. الطاقة والحكومة هدفان للقصف الروسي

تريبولسكايا في الظلام وكييف في الفوضى.. الطاقة والحكومة هدفان للقصف الروسي

تريبولسكايا في الظلام وكييف في الفوضى.. الطاقة والحكومة هدفان للقصف الروسي
الحرب الروسية الأوكرانية

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة غير مسبوقة من التصعيد مع تعرض العاصمة كييف لأعنف هجوم منذ اندلاع النزاع قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف، ففي ساعة مبكرة من صباح الأحد، تحولت سماء العاصمة إلى ساحة معركة مفتوحة بين أسراب المسيّرات الروسية وصواريخ الدفاع الجوي الأوكراني، فيما التهمت النيران سطح مبنى الحكومة المركزية في قلب المدينة، المشهد لم يقتصر على الدخان الكثيف والانفجارات المتتالية، بل امتد إلى إرباك الحياة اليومية للأهالي الذين وجدوا أنفسهم بين الحرائق والانقطاعات الكهربائية والإنذارات الجوية المستمرة.


 الهجوم لم يستهدف العاصمة وحدها؛ إذ طالت الضربات مناطق عدة شمالاً وشرقًا وجنوبًا، وأعادت إلى الأذهان صورة شاملة لحرب لم تتوقف، بل تتجدد فصولها بعنف أشد كلما اقترب الحديث عن تسوية أو مبادرات وساطة، وبينما تتهم أوكرانيا موسكو بمحاولة "كسر الإرادة الوطنية"، تؤكد روسيا أنها تضرب أهدافًا عسكرية وبنى تحتية استراتيجية، وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة كبرى حول مسار الحرب ومآلاتها.

الهجوم الأعنف


شهدت كييف، صباح الأحد، أعنف قصف روسي منذ فبراير 2022، في تطور يؤشر إلى مرحلة جديدة من الحرب الدائرة، فقد استهدفت الضربات مقر الحكومة الأوكرانية في منطقة بيشيرسكي، حيث اندلع حريق كبير التهم السطح وعددًا من الطوابق العليا. 

وأظهرت الصور المتداولة أعمدة دخان كثيفة غطت سماء العاصمة، فيما فرضت الشرطة طوقًا أمنيًا مشددًا حول المبنى، في الوقت الذي هرعت فيه فرق الإطفاء والإسعاف إلى المكان.

وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن هجماتها ركزت على "مواقع مرتبطة بالصناعات العسكرية والبنية التحتية للنقل"، لكنها لم تنفِ أن الصواريخ والمسيّرات أصابت وسط العاصمة. 

الرواية الروسية جاءت لتؤكد استمرار النهج القتالي الواسع الذي تعتبره موسكو وسيلة للضغط على كييف وحلفائها الغربيين، في المقابل، اتهمت رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا سفيردينكو روسيا باستهداف "رموز الدولة"، مؤكدة أن مبنى الحكومة تعرض لأضرار مباشرة، وأن الهجوم يهدف إلى بث الذعر وإظهار هشاشة الدفاعات الأوكرانية.

الهجوم لم يقتصر على العاصمة، إذ سجلت ضربات مميتة في منطقة سومي شمال شرق البلاد، حيث قُتل شخص وأصيب آخرون بينهم طفل في التاسعة من عمره، وفي زابوريجيا جنوبًا، أوقعت المسيّرات الروسية 15 جريحًا على الأقل وألحقت أضرارًا كبيرة بمبانٍ سكنية، أما في غرب كييف، فقد خلفت ضربة استهدفت مبنى من تسعة طوابق مقتل امرأة ورضيعها، في مشهد أعاد إلى الواجهة ثمن الحرب الباهظ على المدنيين.

وفقًا لسلاح الجو الأوكراني، أطلقت روسيا خلال الليل أكثر من 80 مسيّرة و13 صاروخًا، في أكبر هجوم جوي منذ بداية الحرب، الدفاعات الأوكرانية تمكنت من اعتراض عدد كبير من هذه الهجمات، لكن الكثافة غير المسبوقة جعلت من الصعب منع جميع الاختراقات.

أكبر منشأة لتوليد الطاقة


وتزامن ذلك مع انقطاع واسع للكهرباء في كييف ومحيطها، بعد استهداف محطة تريبولسكايا الحرارية، أكبر منشأة توليد للطاقة في المنطقة؛ ما أدى إلى توقفها جزئيًا.

 وزارة الطاقة الأوكرانية اعتبرت أن الهدف من الضربات هو "إغراق السكان في الظلام والبرد، وشلّ المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال".

الهجوم على محطة تريبولسكايا يحمل رمزية خاصة؛ فهي المنشأة التي زودت العاصمة والمناطق المحيطة بأكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء منذ ستينيات القرن الماضي. الضربة كشفت هشاشة البنية التحتية للطاقة، وجعلت مسألة توفير الإمدادات للسكان معركة موازية للقتال العسكري على الجبهات.


في الجانب الميداني، أعلنت موسكو أنها سيطرت على قرية جديدة في منطقة دنيبروبيتروفسك، مؤكدة استمرار تقدمها البطيء لكنه ثابت على الأرض. هذا التقدم يعزز تموضع القوات الروسية التي تسيطر بالفعل على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية.

رفض روسي لوجود قوات أوروبية


التصعيد الروسي جاء بعد أيام من إعلان نحو 20 دولة، بينها فرنسا وبريطانيا، استعدادها للانضمام إلى قوة مراقبة دولية تضمن تنفيذ أي اتفاق سلام محتمل، لكن الرئيس فلاديمير بوتين رفض علنًا وجود قوات غربية على الأراضي الأوكرانية، معتبرًا أنها ستكون هدفًا "مشروعًا" للجيش الروسي.

 في المقابل، لم تنجح جهود الوساطة الأخيرة التي بذلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إحداث اختراق حقيقي، ما يعكس تعقيدات المشهد واستعصاء الحلول.

من جانبهم.. يرى مراقبون، أن موسكو تسعى عبر هذا التصعيد إلى فرض معادلة جديدة، إظهار قدرتها على ضرب مراكز القرار في كييف وتعطيل الحياة اليومية، بما يضعف موقف الحكومة الأوكرانية أمام الشارع، وفي الوقت ذاته يبعث برسالة إلى الغرب مفادها أن أي دعم إضافي لكييف لن يغيّر مسار الحرب، أما أوكرانيا، فترى في هذا السلوك محاولة متكررة لجرها إلى حالة استنزاف طويل الأمد، خصوصًا أن الحرب دخلت عامها الرابع دون أن تلوح في الأفق نهاية.