كيف خرج قادة الحوثيين من اليمن على أجنحة الأمم المتحدة؟

كيف خرج قادة الحوثيين من اليمن على أجنحة الأمم المتحدة؟

كيف خرج قادة الحوثيين من اليمن على أجنحة الأمم المتحدة؟
ميليشيا الحوثي

في قلب حرب اليمن المشتعلة، حيث تتقاطع السياسة بالميدان، طفت إلى السطح قضية جديدة تهدد بكشف واحدة من أكثر الملفات حساسية، استخدام الطائرات الأممية في إجلاء قيادات حوثية بارزة من صنعاء، فبينما تصر الأمم المتحدة على نفي الاتهامات الموجهة إليها، تتحدث مصادر يمنية عن عملية نقل طارئة شملت جرحى وقيادات من الصف الأول، أصيبوا في الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت تجمعًا حكوميًا وأودت بحياة رئيس الوزراء أحمد الرهوي وعدد من وزرائه، الجدل المثار لا يقف عند حدود الشكوك، بل يتعداها إلى اتهامات صريحة بـ"التواطؤ الأممي" مع جماعة تخضع لعقوبات دولية، في وقت يُحرم فيه ملايين اليمنيين من السفر والعلاج، وبينما يتزايد معدل الرحلات الأممية من وإلى صنعاء بشكل لافت، يطرح السؤال نفسه، هل تحولت الممرات الإنسانية إلى قنوات خلفية لإعادة ترتيب أوراق الحوثيين وحماية قياداتهم؟

قيادات حوثية


لم تعد الرواية عن إجلاء جرحى حوثيين عبر طائرات الأمم المتحدة محض تسريبات إعلامية، بل باتت محور نقاش سياسي ودبلوماسي متصاعد في اليمن وخارجه. 

فالمصادر المحلية تؤكد أن ما بين 20 و35 عنصرًا، بينهم وزراء ومسؤولون عسكريون بارزون مثل وزير الدفاع محمد العاطفي ورئيس هيئة الأركان محمد الغماري ووزير الداخلية عبد الكريم الحوثي، نُقلوا على متن رحلات أممية إلى خارج البلاد لتلقي العلاج. بعض الجرحى توفي خلال الرحلة، فيما ما تزال هوية الوجهة النهائية طي الكتمان، مع ترجيحات بتوزيعهم على أكثر من بلد.

ونقل مصدر مطلع – طلب عدم الكشف عن هويته – رواية شبه متكاملة لكيفية إخراج بعض القيادات الحوثية من صنعاء، قائلاً: "لم يكن الأمر عشوائيًا، بل بدا وكأنه عملية منظمة تمت بدقة عالية. 

فبعد الهجوم الإسرائيلي بساعات قليلة، شاهدنا سيارات مظللة تصل إلى مطار صنعاء تحت حراسة مشددة، ترافقها سيارات إسعاف تحمل مصابين في حالة حرجة. جرى إدخالهم مباشرة من بوابة جانبية بعيدًا عن أعين الموظفين المحليين. 

الطائرة الأممية التي أقلعت لاحقًا كانت تحمل عادة موظفي إغاثة، لكنها هذه المرة لم يشاهد أحد أي وجوه مألوفة من فرق العمل الدولية.



بدا الأمر وكأن مقاعدها خُصصت بالكامل لشخصيات عسكرية وسياسية حوثية. بعض المرافقين كانوا يخفون وجوههم خلف أقنعة طبية، وآخرون ارتدوا ملابس مدنية لتضليل الأنظار. 

من الواضح أن العملية لم تقتصر على الجرحى، بل شملت قيادات سليمة أُخرجت بهدوء وكأنها جزء من وفد إنساني. بالنسبة لي، كان ذلك أقرب إلى تهريب منظم أكثر منه عملية إجلاء إنسانية".

ورغم أن الأمم المتحدة سارعت إلى نفي الاتهامات، معتبرة أن "رحلاتها الجوية مخصصة حصرًا للعاملين في المجال الإنساني"، إلا أن مؤشرات عديدة أضعفت موقفها.

 فبحسب مصدر مطلع أكد لـ"العرب مباشر"، ارتفع معدل الرحلات من مطار صنعاء بعد الضربة من رحلة واحدة يوميًا إلى ثلاث رحلات في المتوسط، مع وصول نحو 90 شخصًا يوميًا خلال شهر يوليو وهو رقم لا يتناسب مع الحاجات الإنسانية المعلنة.

تحقيق عاجل


أما الحكومة اليمنية، فلم تكتفِ بالاعتراض السياسي، بل دعت علنًا إلى تحقيق عاجل وشفاف من قبل الأمم المتحدة نفسها، مع تعليق جميع الرحلات إلى مطار صنعاء حتى إعلان نتائج التحقيق أمام مجلس الأمن.

وزير الإعلام معمر الإرياني اعتبر أن ما يحدث "ازدواجية فجة"، إذ بينما يمنع الحوثيون ملايين اليمنيين من التنقل أو السفر للعلاج، يتمتع قادتهم بامتيازات النقل الآمن على متن الطائرات الأممية.

موقف مماثل عبّر عنه وكيل وزارة الإعلام فياض النعمان، الذي وصف العملية بأنها "إشارة على ارتباك الجماعة وخوفها من استهداف قادتها"، مؤكدًا أن بعض الذين أُجلوا لم يكونوا مصابين أصلاً، بل خرجوا تحت ستار الرحلات الإنسانية هربًا من مصير محتوم.

مراقبون استنكروا التسهيلات الأممية في ظل المفارقة الأشد قسوة تكمن في العلاقة بين الحوثيين والأمم المتحدة، فالجماعة لم تتوقف عن ممارسة انتهاكات ضد موظفي المنظمات الدولية، من اعتقالات واقتحامات لمقار أممية في صنعاء إلى تقييد حركة الموظفين الدوليين، ومع ذلك، يجد مراقبون أن المنظمة الدولية تمارس "مرونة مفرطة" معهم، حدّ وصفها من قبل البعض بأنها "تواطؤ غير معلن".

هذا الجدل يسلط الضوء على معضلة أكبر تتجاوز المشهد اليمني، وهي حدود الحياد الأممي في النزاعات المعقدة. إذ يرى محللون أن الأمم المتحدة قد تجد نفسها مضطرة للتعامل مع جماعات مسلحة بحكم الأمر الواقع لتسهيل وصول المساعدات، لكن عندما يتحول هذا التعامل إلى منفذ لتهريب قادة مطلوبين أو محاصرين، تصبح مصداقيتها على المحك.