تحالف الظلال.. كيف تمد إيران أذرعها من صنعاء إلى مقديشو؟

تحالف الظلال.. كيف تمد إيران أذرعها من صنعاء إلى مقديشو؟

تحالف الظلال.. كيف تمد إيران أذرعها من صنعاء إلى مقديشو؟
حركة الشباب

تدخل الصومال، الدولة الغارقة منذ عقود في دوامة الصراعات والهشاشة الأمنية، في مرحلة جديدة من التحديات المعقدة مع تمدد النفوذ الإيراني عبر وكلائه في المنطقة، فبينما تتهيأ قوات حفظ السلام الأفريقية للانسحاب، تبرز على السطح معادلة أكثر خطورة، تعاونٌ متزايد بين ميليشيا الحوثيين في اليمن وجماعات متطرفة في الصومال، تتقدمها "حركة الشباب" و"داعش"، في مشهد يعيد رسم خريطة التهديدات في القرن الأفريقي، هذا التحالف المستحدث، الذي يتغذى على تجارة السلاح والتهريب عبر البحر الأحمر وخليج عدن، ينذر بتحول استراتيجي مقلق قد يمتد تأثيره إلى أمن الممرات البحرية الدولية وعمق القارة الأفريقية، وفي ظل ضعف الدولة الصومالية وغياب التمويل الكافي للقوات المحلية، تتحول البلاد تدريجيًا إلى ساحة اختبار جديدة للصراع الإيراني – الغربي، حيث السلاح يتنقل بحرية، والمخاطر تتكاثر بلا حدود.

تحالف غير معلن بين الحوثيين والجماعات الصومالية

في خضم التوترات الإقليمية التي تحيط بالبحر الأحمر، تكشف تقارير استخباراتية وعسكرية عن تنامي التعاون العسكري بين ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران والجماعات المسلحة في الصومال، وعلى رأسها "حركة الشباب" التابعة لتنظيم القاعدة و"داعش الصومال" المتمركز في مرتفعات بونتلاند.

التحذيرات لم تعد محصورة في نطاق محلي، بل تخطت حدود القارة، إذ أعلنت قيادة القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، أن المنطقة تقف أمام "جبهة جديدة" تهدد الأمن الإقليمي وحركة الملاحة البحرية، بعد رصد شحنات أسلحة متطورة، بينها طائرات مسيرة وصواريخ أرض – جو، مصدرها اليمن وتصل عبر الموانئ الصومالية الصغيرة التي تفتقر للرقابة الرسمية.

ووفقًا لمجلة "منبر الدفاع الأفريقي"، فإن الشبكات المرتبطة بإيران وميليشيا الحوثيين استغلت طرق التهريب التقليدية على الساحل الشرقي للصومال لتمرير المعدات الحربية والمواد المتفجرة.

وتشير الأدلة إلى أن هذه الشحنات لا تستهدف فقط دعم الجماعات المتشددة، بل تهدف أيضًا إلى تأمين خطوط إمداد إيرانية تمتد من الخليج حتى شرق أفريقيا، في محاولة لتوسيع مجال النفوذ الإيراني عبر أذرع غير نظامية.

ممرات الموت: طرق الإمداد الجديدة نحو إفريقيا

من جانبهم، حذر خبراء أمنيون من اتساع نطاق تجارة السلاح بين الحوثيين والصوماليين، بعد أن تحولت إلى مصدر دخل مربح لكلا الطرفين، فمع توسع هذه الشبكات، صارت طرق الإمداد تمتد من السواحل اليمنية إلى خليج عدن، ومنها إلى العمق الصومالي وصولًا إلى شمال كينيا.

ويخشى مراقبون من أن يشكل هذا التوسع خطرًا مباشرًا على دول الجوار مثل جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، خصوصًا أن الجماعات المسلحة بدأت في استخدام طائرات مسيرة صينية الصنع في عمليات هجومية، كما حدث مؤخرًا عندما استهدف تنظيم "داعش الصومال" قوات أمن بونتلاند بضربتين جويتين، في سابقة هي الأولى من نوعها.

هذا التطور النوعي في القدرات العسكرية للجماعات الإرهابية يثير وفقًا للمراقبون تساؤلات حول مدى قدرة الأجهزة الأمنية الصومالية على مواجهة حرب تكنولوجيا غير متكافئة، خاصة مع اقتراب موعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي، ما ينذر بفراغ أمني واسع قد تستغله هذه التنظيمات لإعادة التمركز والتوسع.

من تهريب السلاح إلى تمويل الإرهاب

في موازاة ذلك، يوضح مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن الحوثيين يحققون مكاسب مالية هائلة من فرض رسوم غير قانونية على السفن العابرة في البحر الأحمر، تصل إلى نحو 180 مليون دولار شهريًا، ما يسمح بتمويل شبكات التهريب وشراء الولاءات في المناطق الساحلية.

أما في الداخل الصومالي، فقد تطورت العلاقة بين حركة الشباب والقراصنة إلى شراكة قائمة على المصالح المتبادلة. فالمسلحون يوفّرون الحماية للقراصنة مقابل 30% من عائدات الفدية، إضافة إلى نصيب من أي غنائم بحرية، وفق ما كشفه موقع "هيران أونلاين" الصومالي.

هذا الارتباط بين الإرهاب والقرصنة والتهريب يعيد إلى الأذهان مرحلة ما قبل 2011، حين كانت السواحل الصومالية من أخطر مناطق الملاحة في العالم، وهو ما يهدد بعودة سيناريو الفوضى البحرية من جديد.

الفراغ الأمني بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي

في ظل هذه التحديات، تستعد الصومال لمرحلة ما بعد انسحاب قوات "أتميس" التابعة للاتحاد الأفريقي، التي لعبت دورًا حاسمًا في منع تمدد الجماعات المتشددة. إلا أن مستقبل الهيكل الأمني البديل لا يزال غامضًا، مع عدم وضوح حجم التمويل الدولي الذي سيُخصص للقوات الصومالية.

وتشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة قد تقلّص دعمها المالي استنادًا إلى مشروع قانون مطروح أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وهو ما قد يؤدي إلى شلل كامل في قدرات الدولة الصومالية على إدارة الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، ويفتح الباب أمام إيران لتوسيع نفوذها في القرن الأفريقي عبر وكلائها المسلحين.

الصومال الحلقة الأضعف في رقعة النفوذ الإيراني

أوضح د. محمد الحربي، خبير الشؤون الاستراتيجية، أن ما يجري في الصومال ليس سوى جزء من الاستراتيجية الإيرانية لتوسيع نطاق نفوذها البحري في المحيط الهندي والبحر الأحمر. 

وأضاف الحربي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن إيران تحاول تطويق النفوذ الأمريكي والإسرائيلي عبر وكلاء مسلحين يمتدون من اليمن إلى شرق إفريقيا، مستغلة ضعف الدول الهشة مثل الصومال لتأسيس نقاط ارتكاز لوجستية يمكنها من خلالها التأثير على حركة التجارة الدولية.

ويضيف الحربي: أن انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي دون بديل قوي سيمنح الحوثيين وحلفاءهم فرصة ذهبية لترسيخ وجودهم في البحر الأحمر، وهو ما سيحوّل المنطقة إلى مساحة صراع مفتوح بين القوى الإقليمية والدولية.