الشيخة حسينة.. كيف وصلت "المرأة الحديدية" في بنغلاديش إلى حكم الإعدام؟

الشيخة حسينة.. كيف وصلت "المرأة الحديدية" في بنغلاديش إلى حكم الإعدام؟

الشيخة حسينة.. كيف وصلت
الشيخة حسينة

في تطور صادم له أصداء تتجاوز حدود بنغلاديش، وجدت رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، التي ظلت لعقود إحدى أكثر الشخصيات نفوذًا وإثارة للجدل في جنوب آسيا، نفسها أمام حكم بالإعدام صدر غيابيًا بعدما تحوّلت من زعيمة قوية إلى مطاردة خارج البلاد، الحكم الذي أصدرته محكمة خاصة اتهمها بالمسؤولية عن حملة قمع دامية ضد حركة طلابية العام الماضي، فجّر عاصفة سياسية جديدة في بلد لم يتوقف يومًا عن الدوران في دوامة الاستقطاب، وبينما تصف الحكومة الحالية القرار بأنه "انتصار للعدالة"، ترى حسينة، المحتمية في الهند، أن القضية ليست سوى تصفية حسابات سياسية ضمن معركة ممتدة بين مؤسسات الدولة والتيارات المتنافسة.

جرائم ضد الإنسانية


أصدرت محكمة في بنغلاديش، يوم الاثنين، حكمًا قضائيًا غير مسبوق يقضي بإعدام الشيخة حسينة، رئيسة الوزراء السابقة التي أطيح بها خلال اضطرابات سياسية صاخبة الصيف الماضي، بعد إدانتها بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" على خلفية حملة أمنية دموية ضد انتفاضة طلابية، الحكم، الذي جاء غيابيًا، أعاد رسم خريطة المشهد السياسي في البلاد ودفع الأزمة الداخلية إلى مستوى جديد من الاحتقان.

القاضي غلام مورتوزا موزومدير، قال أثناء النطق بالحكم: إن حسينة أدينت بثلاث تهم رئيسية، تشمل التحريض على القتل وإصدار أوامر مباشرة باستخدام القوة المميتة، بالإضافة إلى الامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الفظائع.

 وأضاف: رأينا أن العقوبة المناسبة هي الإعدام، هذا التصريح لم يكن مجرد خلاصة قانونية، بل بدا إعلانًا رسميًا عن نهاية مرحلة سياسية عمرها عقود.

صمت "هندي" وردّ حسينة

ومع صدور الحكم، فعّلت الحكومة البنغلاديشية طلبًا رسميًا إلى نيودلهي لتسليم حسينة ووزير داخليتها السابق أسد الزمان خان كمال، بموجب اتفاقية تسليم المطلوبين، في خطوة تعكس توترًا مستترًا بين البلدين رغم العلاقات الاستراتيجية الممتدة بينهما، الهند، من جهتها، التزمت الصمت، مكتفية بالتأكيد أن الطلب قيد الدراسة القانونية.

في المقابل، خرجت تصريحات حادة من الشيخة حسينة، وصفت فيها المحكمة بأنها غير شرعية، وأن قراراتها مسيّسة ومدفوعة برغبة الحكومة المؤقتة في الانتقام السياسي. 

وقالت: إن التهم الموجهة إليها مفبركة بالكامل، وإنها ضحية انقلاب صامت أطاح بحكومتها بعد سلسلة احتجاجات صاخبة قادها الطلاب والمعارضة، بالنسبة لها، ما يجري ليس سوى فصل جديد من صراع طويل بين حزب رابطة عوامي، الذي تقوده منذ الثمانينيات، وبين القوى التي اعتادت معارضتها بعنف.

من هي الشيخة حسينة؟


ولدت حسينة في 28 سبتمبر 1947 في تونجيبارا بشرق باكستان، قبل أن تتحول تلك المنطقة لاحقًا إلى دولة بنغلاديش المستقلة، هي ابنة الشيخ مجيب الرحمن، مؤسس الدولة وقائد حركة الاستقلال عام 1971، وهو إرث ثقيل حملته معها طوال مسيرتها السياسية.

دخلت السياسة مبكرًا خلال دراستها في جامعة دكا، وساعدت في تنسيق نشاطات والدها المعارضة للحكم الباكستاني، قبل أن تعتقل خلال حرب التحرير، لكن المأساة الكبرى في حياتها جاءت في 15 أغسطس 1975، حين قُتل والدها ووالدتها وإخوتها الثلاثة في مجزرة عائلية نفذها ضباط في الجيش، كانت حسينة آنذاك خارج البلاد، لتجد نفسها منفية سنوات طويلة قبل أن تعود وتعتلي قيادة حزب رابطة عوامي، الحزب الأكبر في البلاد.

منذ عودتها عام 1981، تحولت حسينة إلى رمز للمقاومة الديمقراطية ضد الحكم العسكري، وتعرّضت للإقامة الجبرية مرات عدة، وفي 1990، لعبت دورًا رئيسيًا في الإطاحة بالرئيس العسكري حسين إرشاد، لتتجه البلاد نحو مرحلة جديدة من التعددية السياسية.

عام 1996، أصبحت أول رئيسة وزراء تكمل ولاية كاملة، ثم عادت إلى الحكم في 2009 لتستمر لأربع ولايات متتالية حتى 2024، وهي أطول مدة يحكم فيها زعيم بنغلاديشي منذ الاستقلال، خلال تلك السنوات، عاشت البلاد نموًا اقتصاديًا لافتًا، لكنها واجهت في المقابل انتقادات واسعة تتهم الحكومة بتقييد الحريات والتضييق على المعارضة.

اللحظة التي غيّرت كل شيء

الشرارة التي فجّرت الأزمة الأخيرة كانت احتجاجات طلابية واسعة تطالب بإصلاح معايير التوظيف الحكومي واعتماد نظام قائم على الجدارة، ورغم أن الحكومة استجابت لبعض المطالب، فإن الاحتجاجات تطورت إلى حركة مناهضة للسلطة، وخرجت عن السيطرة في يوليو وأغسطس 2024، ومع تصاعد العنف، أعلن قائد الجيش في 5 أغسطس أن حسينة قدمت استقالتها وغادرت البلاد إلى الهند قبل ساعات من إلقاء القبض عليها.

منذ ذلك اليوم، تعيش بنغلاديش مرحلة انتقالية مرتبكة مع حكومة مؤقتة تتهمها المعارضة بأنها تسعى لتصفية الحساب مع رموز النظام السابق، الحكم على حسينة بالإعدام يأتي اليوم كتتويج لهذا المسار الملتهب.