قائمة الجواسيس.. كيف تستخدم إيران كنز طالبان السري لابتزاز الغرب؟
قائمة الجواسيس.. كيف تستخدم إيران كنز طالبان السري لابتزاز الغرب؟

في رقعة معقدة من التوترات الإقليمية والدبلوماسية، كشفت صحيفة "التلغراف" البريطانية عن خطوة إيرانية جريئة قد تغيّر مسار المواجهة مع الغرب، حيث طلب الحرس الثوري الإيراني من حكومة طالبان تسليمه قائمة مسرّبة تضم آلاف الأسماء لأفغان تعاونوا مع بريطانيا، ما بدأ كخطأ فادح في البريد الإلكتروني عام 2022، تحوّل اليوم إلى أداة مساومة حادة، تسعى طهران من خلالها لتعزيز موقفها في مفاوضات نووية مرتقبة، وسط تهديد أوروبي بإعادة فرض العقوبات عبر "آلية الزناد".
التحركات الإيرانية تأتي ضمن لعبة معقدة لتقويض النفوذ الغربي وتضييق الخناق على المعارضين والعملاء المشتبه بهم، في وقت تلعب فيه طالبان دور الوسيط الغامض بين طهران ولندن.
*ورقة تفاوض سرية*
في مشهد يذكر بتكتيكات الحرب الباردة، تتحرك إيران نحو استخدام معلومات استخباراتية حساسة كوسيلة للضغط الدبلوماسي، بعد أن طلبت رسميًا من حكومة طالبان إطلاعها على قائمة تضم نحو 25 ألف أفغاني تعاونوا سابقًا مع الجيش البريطاني، بمن فيهم عناصر من القوات الخاصة والأجهزة الاستخباراتية.
الطلب الإيراني لا يأتي من فراغ، بل تزامن مع تهديدات أوروبية بإطلاق "آلية الزناد"، التي قد تعيد عقوبات مجلس الأمن ضد طهران في حال فشل المفاوضات النووية قبل نهاية أغسطس.
وبحسب ما نقلته صحيفة "التلغراف"، فإن الحرس الثوري الإيراني شكّل لجنة خاصة لمتابعة هذا الملف، وأعرب لمسؤولي طالبان عن رغبته في تتبّع الأشخاص المذكورين، لا سيما أولئك الذين فرّوا إلى داخل الأراضي الإيرانية.
الهدف المعلن هو تعقّب الجواسيس، لكن الخلفية السياسية تشير إلى نية واضحة في استخدامهم كورقة تفاوض سرية في مواجهة الضغوط الغربية.
*قائمة القتل*
الملف المسرّب الذي وصفته الصحيفة بـ"قائمة القتل" احتوى على معلومات بالغة الحساسية، بما في ذلك عناوين وأرقام هواتف وبريد إلكتروني لجنود ومترجمين ومخبرين تعاونوا مع لندن، فضلًا عن أسماء مسؤولين سابقين وكفلاء بريطانيين من جهاز MI6.
هذه البيانات تسرّبت عن طريق الخطأ في فبراير 2022، عندما أرسل جندي بريطاني جدولًا كاملاً بدلًا من مقتطف منه.
ومنذ ذلك الحين، باتت القائمة محل أطماع أطراف متعددة، وخصوصًا إيران، التي تسعى لتوظيفها ضمن أجندتها الإقليمية.
ووفق مسؤول إيراني تحدّث لـ"تلغراف"، فإن هناك "ضرورة ملحّة لاحتجاز أكبر عدد ممكن من الأفراد" قبل حلول موعد تفعيل آلية الزناد، ويُعتقد أن طهران قد بدأت بالفعل بتحديد مواقع بعض الأسماء داخل أراضيها، في حين بدأت طالبان من جهتها باعتقال عدد من الأفراد المدرجين في القائمة، في محاولة لاستخدامهم كأدوات ضغط على لندن.
*تحالف ضمني*
من جانبه، يقول د. محمد محسن، الخبير في الشؤون الإيرانية: إن التحالف الضمني بين طهران وطالبان في هذا السياق يفتح بابًا لتساؤلات كبرى حول التحولات في علاقات القوى بالمنطقة.
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، من جهة، تسعى إيران لتعزيز موقعها التفاوضي قبيل المحادثات النووية، ومن جهة أخرى، تجد طالبان في هذه المعلومات فرصة لتقويض النفوذ الغربي وكسب اعتراف إقليمي ضمني عبر التعاون مع دولة كإيران.
*ثغرة أمنية*
مصادر أمنية بريطانية أعربت عن قلقها من وصول هذه القائمة إلى أيدٍ معادية، وخصوصًا أن بعض الأشخاص الذين وردت أسماؤهم قد تم بالفعل ترحيلهم من بريطانيا إلى دول ثالثة لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
ووفق "التلغراف"، فإن عمليات الإجلاء البريطانية بعد الانسحاب من أفغانستان شملت – بشكل مثير للجدل – أعضاء سابقين في طالبان، بينهم متشددون مشتبه بهم ومجرمون مدانون.
وكانت الحكومة البريطانية قد فرضت أمرًا قضائيًا مشددًا في سبتمبر 2023، يمنع وسائل الإعلام من نشر أي تفاصيل تتعلق بهذا التسريب، لما فيه من مخاطر على الأمن القومي وسمعة أجهزة الاستخبارات.
ورغم ذلك، تستمر التحركات الإيرانية بتوظيف هذه الثغرة الأمنية كورقة مساومة، ما يعكس هشاشة الوضع الاستخباراتي ما بعد الانسحاب من أفغانستان.
الرد البريطاني حتى الآن بدا محدودًا، واكتفى متحدث باسم وزارة الدفاع بالتأكيد على أن "سلامة الموظفين تُؤخذ بجدية"، وأن التدابير الأمنية قائمة لحمايتهم.
لكن هذا الرد لا يخفي واقعًا أكثر تعقيدًا: البيانات باتت في يد خصوم استراتيجيين، وبعضها استُخدم بالفعل في عمليات ميدانية، كما حدث في حالة الأفغاني الذي سلّمته طهران مؤخرًا إلى كابول، التحرك الإيراني يعكس أيضًا استثمارًا أمنيًا بعيد المدى، فبينما تركز الولايات المتحدة وأوروبا على ملف التخصيب النووي والصواريخ الباليستية، تتحرك طهران بهدوء في ملف المعلومات الاستخباراتية المسربة لتشكيل شبكة ضغط موازية قد تُستخدم في ملفات متعددة: من مفاوضات البرنامج النووي، إلى تبادل السجناء، إلى الحصول على تنازلات في ملفات إقليمية أخرى.
*خطوة تكتيكية*
يقول الدكتور محمد خيري، المتخصص في الشأن الإيراني: إن تحرك إيران للحصول على "قائمة القتل" من طالبان ليس مجرد خطوة تكتيكية، بل يعكس تغييرًا في استراتيجية طهران نحو استخدام أدوات غير تقليدية في المواجهة مع أوروبا.
ويشير خيري في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن إيران أدركت هشاشة الوضع الغربي بعد الانسحاب من أفغانستان، فقررت استثمار هذه الثغرات الأمنية لتوسيع نفوذها الإقليمي وكسب أوراق ضغط جديدة.
ويضيف: أن توقيت الطلب الإيراني مرتبط مباشرة بالمهلة الأوروبية التي حُددت لنهاية أغسطس بشأن الاتفاق النووي، وبدلًا من تقديم تنازلات تقنية حول أجهزة الطرد المركزي أو مستويات التخصيب، تحاول طهران الدفع بعناصر جديدة في معادلة التفاوض، منها "الأفغان المتعاونون مع الغرب"، ممن يمكن احتجازهم أو التهديد بكشفهم علنًا.
ويلفت خيري، إلى أن ما يثير القلق الغربي ليس فقط وجود هذه القائمة، بل تحوّلها إلى أداة في يد نظام سياسي وأمني يُجيد استغلال الثغرات، ويرى أن نجاح طهران في استثمار هذه الورقة سيشجعها على مراكمة مزيد من أدوات الابتزاز الإقليمي، في وقت تبدو فيه السياسات الغربية غير قادرة على الردع أو الاحتواء.