يونيسف تدق ناقوس الخطر.. سوريا تقترب من حافة الانهيار الإنساني

يونيسف تدق ناقوس الخطر.. سوريا تقترب من حافة الانهيار الإنساني

يونيسف تدق ناقوس الخطر.. سوريا تقترب من حافة الانهيار الإنساني
سوريا

تواجه سوريا المنهكة من ويلات الحرب والنزوح والعقوبات اليوم فصلاً جديدًا من فصول الأزمة الإنسانية المتفاقمة، عنوانه الجوع والعطش وضياع الطفولة. تقرير جديد صادر عن منظمة "يونيسف" يكشف أن ملايين الأطفال السوريين يقفون على حافة المجاعة، بينما تتلاشى فرص النجاة في ظل تمويل دولي لا يرقى إلى حجم المأساة.

 أكثر من 600 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، بينما تتعرض الزراعة والمياه والخدمات الأساسية لانهيار متسارع، وعلى الرغم من عودة بعض العائلات إلى مناطقها، إلا أن الفراغ الخدمي والفقر المدقع يحاصرونها بلا رحمة، إن ما يرصده التقرير لا يعكس فقط عجزًا إنسانيًا، بل فشلاً عالميًا في إنقاذ جيل كامل يذبل في صمت.

*الاحتياج يتجاوز الإمكانات*


بين خطوط الإحصاءات وتفاصيل الجداول التي تضمنها التقرير الإنساني رقم 12 الصادر عن "يونيسف"، يتبدى وجه الأزمة في سوريا أشد وضوحًا ومرارة، فالأرقام ليست مجرد مؤشرات تقنية، بل هي شهادات حية على واقع تُطحن فيه الطفولة تحت رحى الجوع والبرد والإهمال.

بحسب التقرير، فإن أكثر من 4.5 ملايين شخص، بينهم 2.6 مليون طفل، تلقوا خدمات أساسية خلال النصف الأول من عام 2025، لكن 99% منهم يقيمون في مناطق تعاني من أعلى مستويات الحاجة.

هذه النسبة تكشف عن حجم الفجوة بين ما هو متاح وما هو مطلوب، خاصة مع استمرار النقص الحاد في التمويل. فقد تلقت "يونيسف" حتى الآن 25% فقط من احتياجاتها المعلنة لعام 2025، والبالغة 488 مليون دولار. 

هذا النقص لا يهدد فقط استمرارية البرامج الحالية، بل يهدد مستقبل الملايين من الأطفال المعتمدين على هذه الخدمات في الغذاء والتعليم والصحة والمياه.

*الجوع يفتك بالأطفال*


وتمثل أزمة الغذاء إحدى أكثر الزوايا إيلامًا في هذا المشهد، التقرير يؤكد نسبة مخيفة وهي أن أكثر من نصف سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يواجه نحو 600 ألف طفل سوء تغذية حاد، من بينهم 177 ألفًا في حالة "هزال شديد"، أي على شفا الموت.

هذه الأرقام ليست مجرد نتيجة حتمية لحرب استمرت لسنوات طويلة، بل أيضًا لعوامل متداخلة مثل انهيار الزراعة، والتغير المناخي، والانهيار الاقتصادي.

الزراعة، العمود الفقري للأمن الغذائي السوري، أصيبت بضربة قاصمة نتيجة لأسوأ موجة جفاف منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث أدى انخفاض الأمطار بنسبة 54% في محافظات أساسية كالحسكة وحلب والرقة، إلى خسائر فادحة في إنتاج القمح، تقدر بنحو 2.73 مليون طن متري، هذا العجز في المحاصيل لا يقتصر تأثيره على الجوع فقط، بل يمتد ليشمل العمالة الريفية، والأسواق المحلية، وحتى الهجرة الداخلية.

التقرير يشير أيضًا إلى أن 8.5 ملايين شخص تضرروا من نقص المياه، منهم 1.8 مليون يعانون من نقص حاد. هذا الواقع لا يؤثر فقط على النظافة الشخصية والصحة العامة، بل يزيد من تفشي الأمراض وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال الذين يُعدّون الفئة الأكثر هشاشة في مواجهة هذه التحديات.

*الاقتصاد يُكرّس الفقر*


على الجانب الاقتصادي، تتحدث "يونيسف" عن استمرار انكماش الاقتصاد السوري بنسبة 1.5% في عام 2024، مع توقعات بنمو محدود لا يتجاوز 1% في 2025.

هذه الأرقام تعكس واقعًا قاتمًا، حيث تدهورت القوة الشرائية، وارتفعت معدلات التضخم، وفقدت العملة المحلية جزءًا كبيرًا من قيمتها. نتيجة لذلك، يعيش ربع السوريين تحت خط الفقر المدقع، فيما يعاني ثلثا السكان من الفقر العام، وفقًا لتعريفات الأمم المتحدة.

في يوليو 2025، تسبب اندلاع حرائق في ريف اللاذقية الشمالي في نزوح أكثر من 1,150 شخصًا، وتضرر أكثر من 14 ألف آخرين، ما استدعى تدخلاً طارئًا لتوفير مأوى ومياه وخدمات أساسية.

هذه الحوادث المفاجئة تؤكد هشاشة الأوضاع، إذ أن أي كارثة طبيعية - مهما كانت محدودة - قادرة على تقويض جهود الإغاثة الهشة أصلاً.

ورغم عودة نحو 1.5 مليون نازح داخلي إلى مناطقهم الأصلية، إلا أن هذه العودة لا تعني بالضرورة تحسنًا في ظروف المعيشة، فالمناطق المستعادة غالبًا ما تفتقر إلى البنية التحتية، وتعاني من تدهور الخدمات، وتحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات وشبكات المياه.