دماء الوزراء في صنعاء.. هل تتحول اليمن إلى جبهة مواجهة مباشرة مع إسرائيل؟

دماء الوزراء في صنعاء.. هل تتحول اليمن إلى جبهة مواجهة مباشرة مع إسرائيل؟

دماء الوزراء في صنعاء.. هل تتحول اليمن إلى جبهة مواجهة مباشرة مع إسرائيل؟
ميليشيا الحوثي

في ضربة عسكرية غير مسبوقة من حيث نوعيتها وأهدافها، دخلت إسرائيل بشكل مباشر على خط الصراع اليمني عبر استهدافها لاجتماع وزاري رفيع المستوى في صنعاء، ما أسفر عن مقتل رئيس حكومة الحوثيين وعدد من وزرائه البارزين، الإعلان الذي جاء عبر التلفزيون الرسمي للجماعة لم يقتصر على سرد أسماء القتلى، بل بدا وكأنه تأكيد على أن المواجهة مع تل أبيب تجاوزت حدود "الشعارات" إلى صراع دموي مفتوح.

 

وقال هذه العملية، التي حملت بصمة قرار سياسي إسرائيلي عاجل، وضعت اليمن في قلب المعادلة الإقليمية المشتعلة بين إيران وحلفائها من جهة، وإسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة من جهة أخرى، وبمقتل وزراء مدنيين يتولون حقائب حساسة كالدفاع والاقتصاد والخارجية، يواجه الحوثيون أخطر ضربة سياسية وعسكرية منذ بداية الحرب اليمنية، ردود فعل الجماعة التي توعدت بـ"مسار ثابت وتصاعدي" ضد إسرائيل تعكس أن الساحة مرشحة لتطورات أبعد، خصوصًا مع تصاعد التوتر البحري في البحر الأحمر.

 

الضربة الأعنف

أعلنت جماعة الحوثيين، عبر قناتها الرسمية، مقتل رئيس مجلس الوزراء أحمد غالب ناصر الرهوي، وعدد من وزرائه البارزين، إثر غارات جوية إسرائيلية استهدفت العاصمة صنعاء مساء الخميس الماضي، وشملت قائمة القتلى وزراء العدل، الاقتصاد، الزراعة، الخارجية، والكهرباء، إضافة إلى وزراء الإعلام والشباب والثقافة، فضلاً عن مدير مكتب رئاسة الوزراء وسكرتير مجلس الوزراء.

 

تُعدّ هذه الضربة النوعية من أكثر العمليات الإسرائيلية خطورة في الساحة اليمنية منذ اندلاع الحرب هناك قبل أكثر من عقد، فبدلاً من استهداف مواقع عسكرية أو منصات إطلاق صواريخ، جاء الهجوم ليطيح برأس الحكومة الحوثية غير المعترف بها دوليًا، وهو ما يمنح العملية أبعادًا سياسية بقدر ما هي عسكرية.

 

إسرائيل، التي أعلنت عبر إذاعة جيشها أن الغارة استهدفت اجتماعًا لقيادات حوثية "رفيعة المستوى"، أكدت أن القرار اتُخذ بسرعة بعد ورود معلومات استخبارية دقيقة.

 

 ورغم أن تل أبيب تنتظر "تأكيدًا رسميًا" حول نتائج العملية، فإن إعلان الحوثيين أنفسهم عن مقتل قادتهم البارزين يضفي مصداقية استثنائية على ما جرى.

 

البعد الإقليمي

الضربة الإسرائيلية لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الإقليمي الأوسع، فالحوثيون يُعدّون أحد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، ويقودون منذ أشهر حملة عسكرية ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، تحت شعار "نصرة غزة".

 

هذه الهجمات البحرية التي عطلت خطوط التجارة العالمية دفعت واشنطن لتشكيل تحالف دولي لحماية الممرات البحرية. غير أن دخول إسرائيل المباشر على خط استهداف القيادات الحوثية ينذر بتوسيع رقعة الحرب إلى جغرافيا جديدة.

 

من جهة أخرى، يمثل هذا التطور تحديًا للمملكة العربية السعودية والإمارات، اللتين تسعيان منذ أشهر إلى خفض التصعيد في اليمن. فالتحول الأخير يربك حساباتهما، إذ يُخشى أن تؤدي المواجهة بين إسرائيل والحوثيين إلى إجهاض مسار التهدئة الهش الذي رعته سلطنة عمان والأمم المتحدة.

 

رد الحوثيين

زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، وصف الهجوم بأنه "جريمة إسرائيلية جديدة"، مؤكدًا أن الرد سيكون "ثابتًا وتصاعديًا" عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة، إلى جانب تعزيز الحظر البحري المفروض على السفن المرتبطة بإسرائيل.

 

 تصريحات الحوثي تكشف عن رغبة في ربط الساحة اليمنية مباشرة بالمعركة المفتوحة بين تل أبيب وطهران، ما قد يحول اليمن إلى ساحة مواجهة رئيسية، وليس فقط ساحة حرب داخلية.

 

مقتل رئيس الحكومة وعدد كبير من الوزراء يضع الحوثيين أمام فراغ إداري خطير. فهؤلاء المسؤولون كانوا يديرون الوزارات المرتبطة بالشأن المدني، كالقضاء والاقتصاد والزراعة، وهي قطاعات تمثل شريان الحياة اليومية في المناطق الخاضعة للجماعة، وقد يؤدي غيابهم المفاجئ إلى ارتباك إداري وسياسي داخلي، في وقت يواجه فيه اليمنيون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

 

الأجهزة الأمنية التابعة للجماعة سارعت إلى الإعلان عن "تحصين الجبهة الداخلية من الاختراق"، في محاولة لتفادي الشكوك حول وجود تسريب معلوماتي أدى إلى نجاح العملية الإسرائيلية، لكن هذا الإعلان قد لا يبدد التساؤلات حول كيفية وصول إسرائيل إلى تفاصيل اجتماع وزاري مغلق في قلب صنعاء.

تداعيات محتملة

على المستوى العسكري، من المتوقع أن يكثف الحوثيون هجماتهم البحرية والجوية ضد إسرائيل، ما سيؤدي إلى رفع مستوى المواجهة العسكرية إلى مستويات غير مسبوقة، وعلى المستوى السياسي، اغتيال قادة مدنيين يثير جدلاً حول طبيعة الأهداف الإسرائيلية، ويطرح تساؤلات عن مدى شرعية استهداف شخصيات غير عسكرية في نزاع إقليمي.

أما على الجانب الدولي، الأمم المتحدة والدول الكبرى قد تجد نفسها مضطرة للتدخل الدبلوماسي، ليس فقط لاحتواء الأزمة اليمنية، بل لمنع تحول البحر الأحمر إلى بؤرة مواجهة دولية شاملة.

 

اختراق واسع

من جانبه، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني ثابت حسين صالح: إن الحوثيين من عادتهم أن لا يعلنوا الخسائر سواء كانت بشرية أو عسكرية، إلا مع عنف الضربة هذه المرة كانوا مجبرين على الاعتراف ببعض الأسماء على الأقل.

 

وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، إن الضربة الإسرائيلية الأخيرة تحمل أبعادًا عسكرية ونفسية في آن واحد، موضحًا أن إسرائيل لم تستهدف منصات إطلاق صواريخ أو معسكرات حوثية كما جرت العادة في الحروب غير المباشرة، بل ذهبت مباشرة إلى رأس الحكومة الحوثية، وهو ما يكشف عن اختراق استخباري واسع داخل الدائرة الضيقة للجماعة.

 

ويرى صالح، أن العملية تمثل تحولًا خطيرًا في مسار الصراع، إذ إنها توجه رسالة مزدوجة: الأولى إلى الحوثيين بأن قدرتهم على حماية قادتهم محدودة، والثانية إلى إيران بأن أذرعها الإقليمية أصبحت أهدافًا مباشرة في أي مواجهة مفتوحة، ويتابع، هذا التطور قد يدفع الحوثيين إلى المبالغة في الرد عبر البحر الأحمر، وهو ما سيعرض الملاحة الدولية لمزيد من المخاطر.

 

كما يحذر صالح، من أن مقتل وزراء مدنيين سيضع الجماعة أمام تحدٍ مضاعف، تعويض الفراغ السياسي من جهة، وتبرير استمرار الحرب أمام المواطنين اليمنيين المنهكين من الأزمات الإنسانية من جهة أخرى.

 

 ويختم بالقول: اليمن الآن لم يعد مجرد ساحة حرب محلية، بل بات نقطة ارتكاز في المواجهة الكبرى بين طهران وتل أبيب.